بيعه أتى المنزل الذى نزلت ليبيع بضاعته لأصحابى ، فما إن لمح بندقيتى قائمة فى ركن الحجرة حتى هب واقفا وطلب إليهم أن يخرجوها خارجا لأنه يكره أن يظل قريبا من هذا السلاح الفتاك.
وقد روى مبعوث باشا مصر إلى سنار بعد عودته منها أن المك عرض مرة فرقة من الفرسان أمامه ، فطلب إليه المبعوث أن يأذن له بعرض شىء من تمرينات المدفعية التركية لأنه كان قد صحب معه مدفعين صغيرين محمولين على جملين ، وثلاثة جنود. وما إن بدأوا يطلقون النار حتى فر معظم الأهالى ، وسقط كثيرون على الأرض مستغيثين. ولم أصادف فى هذه البلاد رجلا جرؤ على مسّ بندقيتى إلا إذا كان قد زار مصر أو بلاد العرب من قبل ، وكثيرا ما كان يلجأ فتيان القافلة حين يريدون التخلص من الزوار المشاغبين إلى بندقيتى يمسكون بها ويهددون بإطلاقها عليهم. فإذا كان هذا حال القوم فى هذا الإقليم الوثيق الصلة بالأملاك العثمانية ، فما بالك بما يبعثه مرأى الأسلحة النارية من دهشة وهلع فى قلوب سكان مجاهل القارة الذين لم تقع عيونهم على شىء منها ، بل لعلهم لم يسمعوا بنبئها قط.
وهذا سبب من الأسباب التى تحملنى على الاعتقاد بأن فرقة صغيرة من الجند الأوربيين كفيلة بأن تشق لها طريقا فى هذه البلاد دون أن تلقى مقاومة إذا تذرعت بالحكمة والصبر. وأحسب أن ثلاثمائة رجل مثلا ، ممن مرنوا على احتمال المناخ المدارى ، يستطيعون أن يوغلوا فى شرق إفريقية ، ولن تعترض طريقهم عقبات قوية يؤبه بها من أسوان إلى سنار. وإذا كان مائتان وخمسون من صعاليك المماليك قد فتحوا دنقلة وفرضوا عليها سلطانهم برغم مقاومة الدناقلة والشايقية مجتمعين ، فخليق بقوة مدربة من الأوربيين ألا تخشى بأس هؤلاء الإفريقيين وهم على حالهم من تشتت وانقسام إلى إمارات صغيرة لا رابطة بينها ولا اتحاد. أما ما تلقاه الحملة من عناء السير والحرمان وتقلبات الجو فذلك أمر يستعان عليه بالصبر والتدبر ، وسبيل ذلك التزام ضفاف الأنهار ـ ولن يعدموا فيها الزاد أو الإبل ـ ثم تخير المواطن الصحية العالية لقضاء الفصل المطير فيها ، وهو فصل يخلو على أى حال من تلك الأضرار الوبيلة التى تحيق بالمسافرين فى الأقطار الغربية من إفريقية.