أما الذين يحاولون ارتياد مجاهل القارة وحدهم والتغلغل فى أقاليم لا يطرقها التجار الشماليون فأخشى أن يروحوا ضحية حماستهم وطموحهم النبيل. وإذا قدر لمنابع البحر الأبيض [النيل الأبيض] أن تكشف ، فلن يقوم بهذا الكشف إلا قوة مسلحة. ولقد سبقت انجلترة سائر الأمم الأوربية فيما قامت به من رحلات كشفية وما أوفدت من بعوث لارتياد الأقطار النائية ، ولا ينقصها اليوم إلا حملة موفقة إلى مجاهل إفريقية ليصبح تفوقها فى هذا المضمار تاما.
ولشندى سوق يومية وأخرى أسبوعية كبيرة يؤمها جميع العرب المحيطون بها. والعملة المتداولة فيها هى عملة بربر ، أعنى الذرة والدمور. أما العبيد والجمال فتشترى بالريالات ، وقد يقايضون على فرق من العبيد كاملة ببضاعة مصرية أو سواكنية. ولا يتداول القوم من الريالات إلا ما ضرب فى إسبانيا ، ويسمونه «أبو مدفع» على زعم أن ما بظهره صورة مدفع أو «أبو عمود» نسبة للأعمدة التى عليه ، ولا يجيزون من هذه الريالات الإسبانية إلا ما يحمل منها اسم كارلوس الرابع ، ويسمونه «ريال أبو أربع» ولن يساوى الريال فى نظرهم قيمته الكاملة إلا إذا كانت هذه الخطوط الأربعة واضحة عليه. أما الريال الذى يحمل اسم كارلوس الثالث فهو فى زعمهم أقل قيمة ما دامت خطوطه ثلاثة لا أربعة ، ذلك فهو عندهم أقل من قيمته الحقيقية بالسدس. كذلك يفقد الريال الذى يحمل اسم فرديناند ثلث قيمته عندهم. أما الريالات النمساوية فلا سوق لها هنا. وقد وجدت فى أثناء مقامى بشندى حدادا يشتغل خفية بإضافة رقم I إلى ريالات كارلوس الثالث ، وكان ربحه من وراء ذلك مكيالين من الذرة للريال. ويقال إن البدو هم أول من فرق بين أرقام الريالات على هذا النحو. على أن التفريق لا يسبب مضايقة تذكر لأنه غير معروف فى أوساط التجار. ولا يتداول القوم العملة الذهبية هنا ، ولكنك تستطيع أن تحصل فى أى وقت شئت على كتل صغيرة ، أو أقراط ، من الذهب الخالص بسعر السوق من تجار سنار. ولم أر فى سياحاتى تاجرا يحمل تبرا. وذات مرة أرسل المماليك أحد خدمهم إلى شندى بجنيهات بندقية وتركية لبقايض عليها بريالات ، فاشتراه منه المصريون بنصف قيمتها ، ثم أسفوا حين ذكروا أنه كان