ويلوح لى ـ بعد أن تأملت سحن رواد السوق ـ أن هؤلاء العرب جميعهم من سلالة واحدة ، إلا أن البدو الجعليين الخلص القادمين من الصحراء الشرقية أكثر بياضا من سكان ضفاف النيل ، ولعل ذلك راجع إلى تحاشيهم الاختلاط بالزنجيات أو اتخاذ الخليلات منهم ، وقد أدهشتنى قسمات الكثيرين من هؤلاء الجعليين ، فقد كانت شبيهة كل الشبه بقسمات بدو شرقى شبه جزيرة العرب ، ويزيدون عليهم قصر لحاهم وخفة شعرها. ورأيت فى السوق أفرادا من قبيلة للجعليين تسكن الحدود الجنوبية للشكرية ، وكانوا يلبسون قبعات مصنوعة من القش ، عالية مدببة عريضة الحوافّ مربوطة برباط من الجلد تحت الذقن ، ويرتديها الرجال منهم والنساء على السواء.
وكان المعروض البيع فى يوم السوق الكبيرة زهاء خمسمائة جمل ، ومثلها من البقر ، ومائة حمار ، وعشرين أو ثلاثين حصانا. ويتخذ كل تاجر مكانه فى أحد المتاجر المفتوحة أو فى ساحة السوق ويعرض على المشترين بعض بضاعته ، ولا غرابة فى هذا فإن أغنى تجارهم لا يأنفون من الاتجار بأصغر السلع قيمة. ويؤلف التجار المصريون والسواكنيون والسناريون والكردفانيون حلقات منفصلة يعرضون فى وسطها عددا كبيرا من الرقيق للبيع. ويجلب الريفيون للسوق الحصر والسلال وجلود الثيران وغيرها ، والفخار الخشن الصناعة ، ورحال الإبل ، والقصاع الخشبية ، إلى غير ذلك من مصنوعاتهم الوطنية. ويشتغل بالسوق نحو اثنى عشر صانعا من صانعى الأحذية أو على الأصح القادمين من الريف ، وفى وسع الصانع منهم أن يصنع لك زوجا منها فى ظرف ساعة. وأشغال الجلد بديعة الصنع ، ويدبغ الجلد بالقرض ، وهو ثمر السنط. ويقال إن البدو المقيمين حول سنار أمهر الدباغين كافة ، كذلك يبيعون فى السوق الجربان (جمع جراب) ، ويحمل فيها شتى المتاع والبضاعة فيما خلا الذرة والصمغ العربى والملح ؛ فهذا كله يحمل فى المقاطف. ويؤم شندى الحدّادون القادمون من الريف ، ويصنعون ويبيعون المدى الصغيرة التى يحملها القوم ، وطول المدية منها نحو ثمانى بوصات ، وتحمل فى غمد من الجلد مشدود إلى المرفق الأيسر ، ولها حدان كمدى البرابرة.