وتكتظ السوق بروّادها ويشتد فيها القيظ ويثور الغبار وقت الظهيرة ـ وهى أحب أوقات البيع والشراء عندهم ـ حتى إننى كنت أعجز عن البقاء فيها ساعات متصلة ، وكنت أكل أحد رفاقى بما أحمل من بضاعة قليلة. وينبث فى أرجاء السوق فلاحون جلسوا بجوار الماء يبيعون منه للظماء من روّاده ، وسعر الماء حفنة من الذرة لشربة شخصين ، ومن الفقراء من يجعل فى فناء داره سبيلا للماء يشرب منه من شاء مجانا ، ومنهم من يلحق ببيته زاوية لأن البلد يخلو من المساجد.
ولم أر فى شندى من مهرة الصناع سوى الحدادين ، والصائغين الذين يصنعون الحلى الفجة للنساء ، والدباغين ، والخزافين ، والنجارين. وإذا أراد رجل منهم أن يبنى بيتا قام هو وأقاربه وعبيده بالبناء يعاونهم بعض الفعلة ، ثم طلب إلى النجار أن يسقف البيت ويصنع أبوابه. ويصنع هؤلاء العرب بأنفسهم كافة ما يلزمهم فى شتى مرافق الحياة العادية ، شأنهم فى ذلك شأن بدو الصحراء.
وليس بشندى نساجون ، ولكنك ترى النساء والصبية وكثيرا من الرجال لا تفارق أيديهم المغازل ، وهم يغزلون خيوط القطن التى يبيعونها لأهل بربر. وتشبه مغازلهم مغازل أهل مصر والشام. ويزرع القطن فى هذه الأرجاء ، وهو من المحاصيل التى تنتجها كل البلاد الواقعة على ضفاف النيل ، وإن كان إنتاجها منه ضئيلا فيما عدا الدامر ومنطقة سنار.