ويقوم السماسرة بتجارة الجملة فى شندى ، وأكثرهم الدناقلة ، ويبدو أنهم أذكى التجار وأحذقهم فى هذا البلد. فما إن تصل إلى المدينة قافلة حتى يتقاطر السماسرة على بيوت التجار. ولكن فى الفريقين ـ باعة وسماسرة ـ من الجشع والحرص ما يمنعهم من إبرام صفقاتهم فى سرعة ناجزة. بل إن كل فريق منهم يحاول ـ حتى بعد إبرام الصفقة ـ أن يغش صاحبه قبل تسليم البضاعة وأداء الثمن. وإذا أراد فريقان أن يدخلا فى اتفاق تجارى ذى بال شاع الخبر وذاع فى أرجاء البلدة ، وكثيرا ما حال حسد التجار الآخرين دون عقده. وليس للسلع ثمن مجدد ، والأثمان الدارجة عبارة لا محل لها هنا ، فكل تاجر يبيع بضاعة بقدر ما يتاح له أن يغش المشترى ويرشو السمسار. وقد ألف القوم أن يؤدوا فورا ثمن الشراء ، أو ما يوازيه بضاعة ، وأطول أجل للدفع رأيته كان يومين. وحين يبرمون الصفقة يظهر لك فى جلاء أن البائع والمشترى كلاهما يتشكك فى ذمة صاحبه. وإذا أرادوا إكراه مدين على تسديد دينه استعانوا عادة بعبيد المك الذين يقومون بمهمة البوليس. على أن الرجل الذى لا يحميه قوى ولا يسنده أصحاب تضيع عليه معظم بضاعته لا محالة إذا تركها تخرج من يده دون أن يتسلم ثمنها فورا.
وسأسوق إلى القارىء فيما بلى بيانا موجزا بشتى السلع التى تتبادلها شندى مع مصر وكردفان وسنار وسواكن. على أن قصر مقامى بهذا البلد لم يتح لى جمع أوفى المعلومات وأصحها عن هذا الموضوع.
إن أهم ما تستورده شندى من مصر هو السنبل (١) والمحلب ، وكلاهما يشتد عليه الطلب فى السودان ، فيتعطر القوم بأولهما ويتطببون ، ويتبلون طعامهم بالثانى وقد يتداوون به. ويبيعهما التجار مخلوطين معا بنسبة ثلاثة أجزاء من السنبل إلى
__________________
(*) السنبل هوValeriana Celtiea أوSpiga Celtica عند الإيطاليين. ويزرع معظمه فى الولايات الجنوبية من الأملاك النمساوية ويصدر من البندقية وتريستا. أما المحلب فيجلب من أرمينيا وفارس ، ويصدر من أزمير وغيرها من موانىء آسيا الصغرى. ويبدو أنه ثمر فصيلة من فصائل التلياTilia.