القاهرة ، ولا تتزوج فتاة فى هذه البلاد دون أن تزين حجرتها بمرآة من هذه المرايا.
ومنذ استوطن المماليك دنقلة جرت القوافل المصرية على أن تجلب لشندى بعض ما يرتدون كالأقمشة والأحذية وما إليها فيشتريها التجار الدناقلة. وكان الباشا إلى عهد قريب قد حظر التجارة المباشرة بين صعيد مصر ودنقلة ، فكان التجار يؤثرون هذه الطريق الطويلة على التعرض لمصادرة بضاعتهم. ولما نشبت الحرب بين المماليك وعرب الشايقية أرسل المماليك جل نسائهم إلى شندى صونا لهن من مخاطر حرب سجال ، ثم ردوهن بعد ذلك إليهم ، ولكنى رأيت بعضهن ما زلن باقيات بالمدينة حين جئتها ، وكن يثرن السخرية بصلفهن وغرورهن.
ويستخدم التجار المصريون رءوس أموال صغيرة جدا فى تجارتهم ، ولست أظن أن أحدا منهم تساوى بضاعته أكثر من ألف وخمسمائة ريال إسبانى. وأسرة علوان التى جئت فى صحبتها من دراو ، والتى خرج من أفرادها فى القافلة نحو اثنى عشر ، هذه الأسرة لم تستثمر فى تجرتها هذه أكثر من ألف ريال. وأكثر التجار لا يملك إلا مائتى ريال أو ثلاثمائة ، بل قل أن يكون هذا المبلغ ملكا خالصا لهم ، فهم إما يقترضونه من الصعيد بفائدة باهظة ، وإما يشترون بضاعتهم نسيئة من إسنا أو قنا أو القاهرة. وسبب ذلك أن التجار المصريين المحترمين حقا يربأون بأنفسهم عن الاشتغال بمثل هذه التجارة. والناس ـ حتى فى مصر ـ ينظرون إلى الرحلة للسودان نظرتهم إلى مغامرة يائسة لا يقتحمها إلا كل مفلس أو مشرف على الإفلاس ، وهم يعدون تجارة الرقيق أو «التسبب فى لحم بنى آدم» كما يسمونها تجارة خسيسة لا تشرف صاحبها. على أن أهل دراو لا يعدمون من يقرضهم المال ، ولو لا انغماسهم فى الرذيلة والفجوز ، ولو لا تبديدهم أكثر أرباحهم وفى السكر والعربدة ، لاقتنوا من وراء تجارتهم الثروة الطائلة. وهم يقترضون المال فى صعيد مصر بفائده تبلغ ٥٠% فى الرحلة طالت أو قصرت ، ويرهنون عادة بيوتهم أو أطيانهم ضمانا لسداد القرض ، كذلك يرفع ثمن ما يشترون فى مصر من بضاعة مؤجلة الدفع إلى هذه النسبة ، على أن يتعهدوا بأداء ثمنها حال رجوعهم. ويدرب التجار الدراويون أبناءهم على هذه التجارة منذ نعومة أظفارهم ، وكان فى القافلة التى