إلا بشق النفس. وقد حمل من الهدايا إلى مك سنار الشيلان وقطع الموسلين والأسلحة وغيرها مما يقدر ثمنه بثلاثة آلاف ريال أو أربعة ، ورد مك سنار على هذه الهدية بإهداء الباشا ثلاث جوار قبيحات أو أربع ، وعددا من جلود الفهود ، وقط زباد ، وقردين ، وشبل أسدمات فى أثناء عبوره الصحراء ؛ والهدية كلها لا يتجاوز ثمنها فى سنار ثمانين ريالا. وقد علمت فى أثناء مقامى ببلاد العرب أن بعثة أخرى أوفدها محمد على إلى الحبشة لقيت مصيرا أسوأ من هذا ، ذلك أن محمد على ـ بعد أن استولى على ثغر مصوع الذى كان لشريف مكة فيه قبل هذا جاب للمكوس (١) ، وبعد أن أصبح بهذا الاستيلاء جارا للحبش ـ رأى أن الضرورة تحتم عليه التودّد إلى ملك غندار ليفوت بذلك على المماليك أى محاولة من هذا القبيل ، ناهيك بما يجنيه من ذيوع صيته إلى مجاهل إفريقية السحيقة فتطيب بذلك نفسه وترضى كبرياؤه. على أن الراس ولد سلاسى أوقف السفير فى أكسوم على نحو ما أوقف مستر سولت قبل سنوات ، وأخذ سلاسى الهدايا المرسلة إلى الملك ، وأهدى الباشا عوضا عنها قميصا أبيض من الكتان (وهو رداء الحبش) ومائة ريال إسبانى يعينه بها على نفقات الحملة الوهابية (٢).
وتصل القوافل السنارية إلى شندى كل ستة أسابيع أو شهرين ، فإذا جلبت القافلة الذرة كانت رواحلها خمسمائة أو ستمائة ، أما إذا جلبت البضائع والعبيد فقط فقل أن تعدو رواحلها المائة. وأهم ما يستورد من سنار الدمور الذى ينتشر استعماله بين الناس جميعا لا على ضفاف النيل حتى دنقلة فحسب بل فى كردفان ومعظم دارفور وفى الحبشة وجميع أرجاء النوبة شرقى النيل حتى تبلغ البحر الأحمر.
__________________
(١) يلقب باشا جدة بوالى جدة وسواكن والحبش ، وإن لم يملك من أمر الحبشة شيئا اللهم إلا المكوس التى تجبى فى مصوع وسلطة القضاء الاسمية فى هذه المدينة. ومنذ أخضع الوهابيون الحجاز وانتزعوا جدة من الاتراك بالاتفاق مع غالب شريف مكة أخذ غالب مصوع لنفسه.
(٢) درج الشرقيون على أن تكون هديتهم كسوة ومصروفا.