هذه القلة بكير أغا وهو رجل أزميرى المولد غادر مصر من ثمانى سنوات أو عشر وبصحبته عشرون راحلة محملة ، ولكنه مات بشندى فاستولى ملكها على ماله وبضاعته لقمة سائغة ، ولم يقدم بعده أحد على مثل هذه المحاولة. وجملة المال الذى يستثمره التجار المصريون فى تجارة السودان يبلغ حسب تقديرى من ٠٠٠ ر ٦٠ إلى ٠٠٠ ر ٨٠ ريال ، ولكن بما أن هذا المال يغل ربحا مرتين وأحيانا ثلاث مرات فى العام ، وذلك تبعا لعدد الرحلات ، فإن مجموع قيمة الواردات إلى هذه البلاد من مصر يقدر بنحو ١٥٠٠ أو ٢٠٠٠ ريال فى السنة. أما الريالات فلا يعاد تصديرها من السودان ، فهى إما توزع أو يخزنها الملوك وسواهم من الأفراد ، فالسودان إذن مستهلك دائم لشطر من فضة أوربا.
وفى الإمكان النهوص بهذه التجارة نهوضا كبيرا ، وذلك بتنظيم قيام القوافل (مرة كل شهرين من دراو مثلا). وبإقامة المصانع فى بربر وشندى. أما اليوم فإن القوافل القادمة من شتى البلاد قد تظل الشهور فى انتظار غيرها من القوافل التى لا تستطيع بيع بضاعتها إلا لها. صحيح أن الصحراء النوبية لا تخلو من جماعات صغيرة من التجار المغامرين يعبرونها كل أسبوعين تقريبا ، ولكن هؤلاء يتجرون فى كل بلد مروا به على الطريق ، وقل أن تجد من السلع المصرية فى سوق شندى ـ وكذلك فى سوق سنار فيما أظن ـ شيئا مذكورا إلا بعد وصول القوافل الكبيرة ، وهذه لا تبرح دراو اليوم فى مواعيد منتظمة. أما قافلة سنار فتخرج من الصعيد مرة فى العام وتعود إليه فى العام التالى. وهى تلم ببربر والدامر وشندى وقد تستغرق شهرين أو ثلاثة فى رحلتها من دراو إلى سنار. وعدتها ثلاثمائة رجل أو أربعمائة ، وبضع مئات من الجمال ، ويصحبها فى إيابها كثير من تجار سنار وعلى الأخص عملاء ملك سنار ووزيره وهما أكبر التجار فى هذا الإقليم. هذه القافلة هى التى خرج فيها فى العام الماضى مبعوث باشا مصر إلى سنار ، وقد أوفده فيما يقال ليحرض المك على المماليك ، وليتجسس الأرض ويتعرف هل فى الإمكان غزوها بجيش تركى. وما من شك فى أن السفير لقى الإهانة والتحقير برغم ما تؤكده حكومة مصر من نقيض هذا ، وما من شك فى أنه لم ينج فى الطريق من الأذى