سمعت بحالات جلب فيها هذا الاعتراف عليهن الوبال ، مع أن توقيه كان يسيرا. والإجهاض أعم فى مصر حيث تقتنى كل أسرة تقريبا عبدا وجارية من السود ، ولا يعده القوم هناك جريمة على الإطلاق ، ويسمح السادة للأثيرات من جواريهم بحضور مجالس البوظة ، وأكبر ما يلهون به فى هذه المجالس إثقال الفتيات بالشراب حتى يثملن.
ولقد كوّنت عن أخلاق الزنوج وطباعهم أسوأ رأى لما رأيت منهم وما سمعت عنهم. على أن الإنصاف يقتضينى أن أضيف إلى هذا الحكم أننى لم أرهم بعد فى أوطانهم قبل أن يقتنصهم طغام الجلابة ، وهم كفيلون بإفساد ألطف الطباع وأرقها. غير أنى لم أجد بين العبيد من أخلصوا الولاء لسادتهم إلا القليل ، حتى ولو أحسن هؤلاء السادة معاملتهم. وأسوأ ما يشينهم عناد لا سبيل إلى ردهم عنه ، وخيلاء وصلف فى الطبع ، وفى كثير منهم حقد قتّال وولع بالثأر ، ولكنك لن تجد فيهم هذا الغدر الذى تجده حتى فى أطفال العرب الأحرار فى وادى النيل وبلاد النوبة. وفى الزنوج كسل وإهمال وبذاذة ، وهم لا يؤدون أعمالهم إلا مكرهين. ويخيل إلى أنهم تجردوا من كل عاطفة سوى شهوة البطن ، وهم لا يأبهون لما يصيبهم من ضرب أو سب ولعن إذا وجدوا الطعام الجيد وأصابوا حظهم من السمن واللحم بانتظام وظفروا بقدر من الشحم يلطخون به أجسادهم. ومن العبارات المأثورة عن الجلابة قولهم «لا تأمن العبد. اضربه واطعمه تشوف الحاجة مقضية». ولست أدرى مبلغ الصواب فى هذه العبارة ، ولكنى أعلم على التحقيق أنها المبدأ الذى يستوحيه الجلابة إذا أمنوا هرب عبيدهم. على أن هذه المعاملة لا تحدّ من ولع العبيد بالمرح واللهو والطرب ، وقد يكون مرجع هذا قوة فى أذهانهم أو تبلدا فى عاطفتهم. أما ذكاؤهم فلا يقل مرتبة ـ فى رأيى ـ عن ذكاء العرب الزنوج ، ولعله دون ذكاء أهل مصر والشام قليلا. ولست أرى فى جموحهم ما يشينهم لو لا ما يقترن به فى كثير من الأحيان من الحقد والكراهية. وقد أسلفت أن لشعوب السودان المختلفة طباعا مختلفة ، وكل ما عرفته منهم لم يزعزع عقيدتى فى أن السود