لا تشوبها شائبة مغربية ، وهو ما استرعى التفاتى بنوع خاص ، وهو يدعو إلى الترجيح بأن أصلهم من الشرق لا من الغرب. كذلك تجد فى دارفور وكردفان كثيرا من القبائل العربية محتفظة بلغة أجدادها وإن تكلمت رطانة البلاد إلى جانب العربية. ولا يعرف القراءة والكتابة من القبائل العربية إلا قلة لا تذكر ، ولكن الجميع يجيدون الكلام بعبارة واضحة سليمة بل بليغة فى كثير من الأحيان ، وليس بالغريب ولا النادر أن تجد فيهم الشعراء الذين يتغنون فى قصائدهم بذكر أبطال الحرب على نحو ما يفعل شعراء العرب الشرقيين. وقصائدهم لا تكتب وإنما تتناقلها ألسنة الرواة ، وقد لا يسلم شعرهم من الهنات اللغوية ، ولكنه لا يحيد قيد شعرة عن أوزان الشعر العربى. ويخيل إلى أن ألحانهم دخيلة ، وذلك لأن العرب ـ ولا أقول البدو ـ على اختلاف أمصارهم ، سواء منهم عرب العراق أو الشام أو شبه الجزيرة أو مصر ، يغنون ألحانا ذات طابع مشترك بين هذه الأقوام جميعا ، وهى تختلف تمام الاختلاف عن ألحان المغاربة والعرب الزنوج. ولعل غناء العرب الزنوج مأخوذ عن بدو البشارية ؛ فإن أغانى البشارية القومية أقرب إلى أغانيهم من أغانى المصريين. أما العبابدة فقد استعاروا أغانيهم كلها من البشارية ، وهم يغنون بصعيد مصر هذه الأغانى نفسها ، وقد سمعتها كذلك فى شندى من تجار سنار يتغنون بها وهم يحتسون البوظة. على أن هناك ضربا من الغناء تشترك فيه هذه الشعوب جميعها ، ألا وهو «الحداء» ، غناء يسوقون به الإبل فى مسيرها ليلا على الأخص. والحداء أحب ضروب الغناء إلى البدو فى الصحارى العربية ، وقد سمعته على ضفاف الفرات كما سمعته على ضفاف العطبرة. ومن غريب العادات الفاشية بين القوم جميعا أنهم إذا أرادوا نفى أمر أو رفض طلب طقّوا حلوقهم بألسنتهم ، وكذلك يفعلون ـ بصوت أشد وأعلى ـ إذا أرادوا التأكيد أو الاستحسان. ويعتبر هذا فى تركيا وبلاد العرب ضربا من الوقاحة والإهانة ، أو على الأقل عادة من العادات المبتذلة الوضيعة. كذلك يفرقعون أصابعهم إذا طلبوا شيئا كأنهم يقولون «هات».
وأهل شندى على ولعهم بالغناء لم يؤتوا من العلم بالآلات الموسيقية إلا قليلا ،