إلى بلاد النوبة. ولست أشك فى أن صفة الحاج ستكون لى أقوى سند وأفضل حماية فى أى رحلة أقوم بها فى قلب إفريقية. ولو أردت إنفاذ خطتى هذه من السويس أو القصير لوجدت دون ذلك صعابا ذات بال ، أما السفر بطريق الحبشة فقد يعوقنى فى البر أو البحر فترة تعطلنى عن إدراك الحج فى مكة ، وكنت على يقين أننى لو بلغت مكة بعد فوات موسم الحج لما استطعت أن أزعم للناس بعد ذلك أننى حاج أصيل لاغش فيه دون أن أخشى افتضاح أمرى بين يوم وآخر.
لذلك بعت فى شندى كل بضاعتى ودفعت حصتى فى نفقات الإقامة بالمدينة ، وقدمت لرب البيت هدية لا بأس بها ، ثم اشتريت غلاما فى الرابعة عشرة أو نحوها وذلك لغرضين ، فهو من جهة رفيق نافع مستديم ، وهو إلى ذلك حجة واضحة أتكىء عليها فى تبرير رحلتى إلى البحر الأحمر لأننى قد أبيعه هناك بربح. وكنت لا أزال أزعم للناس أننى جاد فى البحث عن قريب لى قد انقطعت أخباره عنى ، ولكنى الآن أضفت إلى ذلك أننى إزاء ما لقيت من مشاق السفر برا فى هذه البلاد اعتزمت أن أركب البحر من سواكن إلى مصوع فأدخل الحبشة من هذا الطريق ، وزعمت لهم أن الدلائل كلها تدلنى على أننى سأعثر على هذا القريب فى الحبشة. وعلمت أن قافلة سواكن قسمان ، قسم يقصد سواكن رأسا ، وقسم يسلك طريق التاكة. فعولت على السفر مع الجماعة الثانية ، وعلى تجربة حظى فى العثور على مواصلة ملائمة تنقلنى من التاكة إلى مصوع.
واخترت عبدى من بين عدد كبير من الغلمان ، ودفعت فيه ستة عشر ريالا. وقد ألفيته غلاما نافعا وخادما ممتازا. كذلك اشتريت جملا بأحد عشر ريالا وعنيت بانتقاته من أصلب الإبل وأشدها لأن سلامتى كانت رهينة به. وأخذت معى زادا من «الأبريه» أو الخبز الجاف والذرة ودقيق الذرة والسمن ، وابتعت عددا من مقاطع الدمور لعلمى بأن الطلب عليها كثير فى طريق التاكة. وبقى لى من المال بعد تسديد حساباتى كلها أربعة ريالات ، ولكن ضآلة هذا المبلغ لم تزعجنى ، فقد رتبت أن أبيع جملى حال بلوغنى الساحل بثمن يغطى نفقات رحلتى إلى جدة ، وكنت أحمل إليها من مصر خطاب اعتماد بمبلغ كبير من المال.