وإذا هو يبعث إلىّ بالعشاء الفاخر مرات ، ويعرب لى عن أصدق أمانيه فى أن نلتقى ثانية بمصر فى صفاء وود لأنه مزمع أن يتخذ إليها سمته هو وجماعته بعد رحيل العبابدة بقليل ، وأن يصطحب من بين عبابدة بربر خبراء لرحلة الصحراء. أما أنا فقد اتخذت أثناء ذلك أهبتى للرحلة وأعددت لها كل العدة واستفسرت سرا عن قافلة سواكن ، وفى الليلة السابقة لقيامها ـ وكان يسبق قيام العبابدة بيومين ـ أحطت شيخ العبابدة علما بخطتى ، واستطعت بهدية صغيرة أن أحمله على مرافقتى لشيخ القافلة السواكنية ، فقدمنى إليه بوصفى صديقه وأوصاه بى خيرا. والقوم فى مثل هذه الرحلات يعفون المسافر من كل تكليف أو احتفال ، فدابته من تحته وهو حر فى السفر مع أى قافلة شاء ، ورئيس القافلة تواق بطبيعة الحال إلى الاستزادة من المسافرين استكثارا للمنفعه وتعزيزا لأسباب الدفاع عن القافلة كلها.
أما اعتزامى السفر رأسا إلى البحر فلم يحملنى عليه خوف من مغبة الشائعات التى افتراها علىّ الجلابة الدراويون. ولم أر ـ وأنا فى موقفى هذا ـ كبير مشقة فى بلوغى سنار إن شئت أو السفر منها إلى غندار ومصوع ، لأنى أعلم أن التجار الأحباش غادون رائحون بين غندار وراس الفيل حيث يلقاهم التجار السناريون ، فإذا وصلت غندار ووديان الحبشة الخصيبة فلن يعيينى أن أشق طريقى إلى الساحل ، ولكنى إن فعلت لن أكون إلا متأثرا خطى پونسيه Poncet وبروس ، وأنا واثق أنه لن يمضى طويل وقت حتى نستكشف كل مجاهل الحبشة لسهولة الوصول إليها نسبيا من البحر. ولكنى رأيت أن رحلتى فى الإقليم الواقع بين شندى والبحر الأحمر قد تضيف إلى علمنا بإثيوبيا جديدا ، وأن مثل هذه الرحلة المحفوفة بالمكاره لن يقوى على الاضطلاع بها غير رحالة تمرس بتجارب السفر القاسية ، لذلك آثرت أن أقطع هذا الإقليم الصغير نسبيا مخافة أن يطول جهل الناس به. كذلك كنت فى اختيارى متأثرا أشد التأثر باعتبار آخر هو رغبتى فى بلوغ مكة فى شهر نوفمبر ، وهو موسم الحج. والحق أن هذا الهدف كان من أهم أهدافى طوال إقامتى بصعيد مصر ، وكان عاملا من العوامل التى حفزتنى إلى الخروج فى هذه الرحلة الثانية