فاشتريت عقب وصولنا حملا ذبحته لهم ، ولم أضن عليهم بما يشتهون من تبغى. وكنت أختلف إلى السوق بانتظام ، وتعرفت إلى بعض الفقهاء ممن قد أحتمى بهم من شر رفاقى الدراويين الذين لم يكفوا عنى سفاهتهم أينما لقونى. بل إن ابن صاحبى الدراوى القديم ، هذا الذى أوصاه أبوه بى خيرا وشدّد فى الوصية ، هذا الفتى بلغ به التطاول علىّ أن بصق فى وجهى مرة فى السوق لأننى طالبته ملحا برد مبلغ ضئيل من المال كان قد اقترضه منى ثم أنكره بأغلظ الأيمان. والحق أننى لم أكن ألقى أحد هؤلاء الدراويين فى طرقات المدينة وشوارعها دون أن ينالنى منه السب والإهانة ، ولو ألقيت إلى الأمر بالا لمضوا بى إلى المك وألحقوا بى أشد الأذى لما لهم من حظوة ونفوذ عنده. هؤلاء الدراويون هم الذين أفقدونى بندقيتى كما علمت فيما بعد ، والله أعلم بما كانوا يبيتون لى بعد ذلك لولا أن فتق لى ذهنى خطة أثمرت لى الخير كل الخير. ذلك أن الشك لم يخامرهم فى أن سنار هى وجهتى ، فأنا لم أنبىء أحدا بأننى ميمم شطر البحر الأحمر رأسا. وكانوا لفرط إساءاتهم إلىّ يكرهون أن أعود إلى مصر حيث أستطيع أن أناقشهم الحساب ، وحيث تكفى كلمة تصدر منى لإبراهيم باشا والى الصعيد آنئذ فينكل بهم تنكيلا ، ولو أن هذا ما كان يخطر لهم ببال. وعلى ذلك فقد حاولوا التمهيد لأذاى ، فأشاعوا عنى أسوأ الشائعات بين تجار سنار وقد خالونى مسافرا فى صحبتهم ، وقالوا عنى إننى أملك المال الطائل ابتززته فى مصر ، وإن سلب بضاعتى لن يكون إلا جزاء وفاقا وانتصافا لأولئك الذين ابتززت مالهم. وكنت الآن قد قضيت بشندى قرابة أسابيع ثلاثة ، وأصحابى العبابدة يتأهبون للعودة إلى وطنهم بعد أن ابتاعوا الكثير من العبيد والجمال ، وكانت هناك قافلة سواكنية على وشك الرحيل أيضا. إزاء هذا أذعت أننى عدلت نهائيا عن متابعة الرحلة جنوبا لأنه لن يفضل معى من المال ما يغطى نفقات سفرى بعد بلوغى سنار. وعلى ذلك ابتعت بما تبقى لى غلاما وجملا ، ثم أعلنت أننى قافل إلى مصر مع أصحابى العبابدة ، وهى فكرة طالما أغرونى بها من قبل. هذه الخطة أطاحت بما دبر الدراويون من خطط وحملتهم على تغيير مسلكهم معى بين عشية وضحاها ، فإذا كبيرهم يزورنى ويكرر الزيارة ـ وهو الذى ضربنى فى الدامر ـ ،