بكرت قافلة سواكن فى القيام صبيحة ١٧ مايو وجاوزت حدود المدينة قبل أن أفرغ تماما من تحميل جملى ، وببنما كنت مشغولا بمهمتى هذه نمى إلى نفر من الدراويين أننى معتزم الرحيل فجاءوا ليصبوا علىّ جام غضبهم لأننى أحبطت تدبيرهم وأفسدت عليهم مكرهم السيىء. غير أنهم جاءوا بعد فوات الفرصة ، فقد كنت أبعد من أن ينالونى بأذى ، ورافقنى العبابدة مسافة قصيرة بعد المدينة ثم ودعتهم وداعا حارا ، ولا عجب فهم منذ غادرت مصر تقريبا أصحاب الفضل فى المحافظة على سلامتى ، سواء بحمايتى أو بالتدخل بينى وبين خصومى ومناصرتى عليهم. على أن معروفهم ما كان لينتهى بعد ، ذلك أن عبدا من عبيد المك تبعنى وأنا أغادر المدينة. ولما ودعت العبابدة ـ والقافلة تسبقنى بنحو نصف ميل على السهل ـ كان العبد يلازمنى كظلى ، ولاحظ ذلك منه أحد العبابدة ، ورأى أنه يحمل سلاحا فارتاب فى أمره ، وقفل راجعا إلينا من فوره فأدركنى فى الوقت المناسب وأنقذنى منه. وكان العبد يقفونى ليأخذ منى غدارتى (١) عنوة مع أنه كان يصيب من طعامنا كل يوم تقريبا فى أثناء مقامنا بشندى ، ولعله خالنى أوثر التفريط فيها على العطل وخطر التخلف عن القافلة ثم اللحاق بها منفردا. وكان العبد قد أمسك بمقود جملى وطلب إلىّ أن أسلمه السلاح ، ولكن العبادى لحق بنا وعنفه على مسلكه هذا أشد تعنيف. وفى العصر وصلنا إلى الحصاة ، وهى قرية واقعة بعد مصانع ملح بيوضة ، وسهلها غير بعيد من المكان الذى حططنا فيه ظهر وصولنا شندى.
١٨ مايو ـ مكثنا اليوم كله مخيمين بالحصاة ، ولحق بنا فى العصر نفر من تجار سواكن وشندى جاءوا مودعين أصحابهم. وكان أعراب الجعليين يحومون ليتخطفوا ما استطاعوا من إبلنا التى ترعى أوراق السنط فى حراسة العبيد ، فاضطرنى هذا إلى شدة اليقظة فى المحافظة على جملى. وفيما أنا أيمم به أحراج السنط الكثيفة لقيت خرائب مبان قديمة بقرب النهر الذى تعلو ضفتاه هنا علوا كبيرا. وهذه الخرائب أسس حجرية للبيوت وجدران من الآجر. ويبدو أن الأسس لبيوت متوسطة الحجم ، وقوامها كتل من الحجر الرملى ، طول الكتلة منها
__________________
(*) عبيد المك دون غيرهم هم الذين يباح لهم حمل أسلحة سيدهم النارية أحيانا.