ثلاث أقدام أو أربع ، خشنة الصناعة أصابها البلى والتلف. وليس بين الحجر والآجر من التناسب إلا أقله ، وهذا الآجر شبيه بالذى رأيت قرب دوا ، وقد بنيت به جدران المساكن. ولم أر آثارا لسور مدينة أو لأى بناء كبير. ويخيل إلى أن هذا الذى رأيت لم يكن سوى بيوت بلدة صغيرة مكشوفة. ومحيط هذه الخرائب يقطع فى ثمانى دقائق إلى عشر على الأكثر. ولم أستطع أن أتبين فى تصميمها نظاما ولا ترتيبا ، فهى مربعات صغيرة منفصلة بعضها عن بعض ، وهى أقرب إلى الاستطالة ، وتراها منبثة بين الشجر حيثما اتفق. ولم يبق من حيطان الآجر أكثر من قدمين فوق الأرض ، وبقاء هذا القدر ـ على قلته ـ يدعو للغرابة إذا ذكرنا ما تحدثه الأمطار السنوية بهذه المبانى المهجورة الواهية ، ولم أعثر على آثار أخرى من أى نوع فى المنطقة المجاورة. وبقرب هذا المكان مخاضة فى النهر يستعملها عرب الجعليين ثلاثة أشهر أو أربعة قبل موسم الفيضان.
١٩ مايو ـ استأنفنا الرحلة صباحا فسرنا على الحدود الشرقية للسهل المزروع حتى بلغنا قرية الكبوشية ، وهى مقر رجل من أسرة مك شندى ، وتبعد عن الحصاة قرابة ثلاث ساعات. ولما كان بيننا وبين عطبرة ثلاثة أيام طوال فقد ملأنا قربنا من النهر ، ومجراه على نصف ساعة من القرية. وحدث لى ونحن نبدأ المسير حادث من تلك الحوادث التى تضايق المسافر فى الصحراء وتنغص عليه رحلته ، ذلك أننى بعد أن شددت قربى إلى رحل جملى ثقبت إحداها ـ وكانت من أكبرها ـ وتفجر الماء منها كأنها الينبوع. ويسد العرب مثل هذا الثقب بوتد من غصن أخضر يلفونه بقماش ، ولكن خير سدادة له لباب عود من عيدان الذرة ، فهو إذا ابتل بالماء انتفخ فأحكم سد الثغرة. وعبرنا إقليما مستويا تقطعه الوهاد والوديان الحافلة بالشجيرات والقش. ثم مررنا بمخيم كبير للجعليين يبعد أربع ساعات من النهر ، وهم برغم بعدهم هذا من النهر يجلبون منه حاجتهم من الماء كل يوم. وحططنا رحالنا فى ساعة متأخرة من الليل بعد أن سرنا من الكبوشية سبع ساعات أو ثمان
٢٠ مايو ـ قمنا قبيل الشروق ويممنا شرق الشمال الشرقى ، وكان قوام