قافلتنا ما لا يقل عن مائتى جمل حملت بالبضائع ، وعشرين أو ثلاثين هجينا يركبها أغنى التجار دون أن يثقلوها بأحمال أخر ، ونحو مائة وخمسين تاجرا ، وثلاثمائة عبد ، ونحو ثلاثين جوادا مرسلة لسوق اليمن يسوقها العبيد طوال الطريق ، وأكثر البضاعة تبغ ودمور اشتراه السواكنيون من سنار. وكان زمام القافلة بيد رجل كفء من كبار عرب سواكن تربطه رابطة المصاهرة ببدو البشارية والهدندوة الذين يقع طريقنا فى أرضهم. ولكننى برغم هذا أحسست أن القوم يتوجسون خيفة من البشارية طوال الرحلة. وكانوا يصدعون بأوامر الرئيس (١) فى كل ما يتصل بسير القافلة دون أن يجدوا فى ذلك غضاضة أو بأسا. ولم يكن هناك غرباء بين التجار السواكينيين سوى جماعة من التكارنة (واحدهم تكرورى) أو التجار الزنوج قوامهم خمسة من السادة وعشرة جمال وثلاثون عبدا على التقريب. وإلى هذه الجماعة انضممت ، ولا عجب فكلنا غرباء يسرنا أن يعاون بعضنا البعض. وكنت أحط إلى جوارهم طوال الرحلة إلى الساحل معتزلا التجار السواكنية الذين انقسموا هم أيضا فرقا وجماعات. وما لبثنا قليلا حتى سرت الألفة بينى وبين رفاقى السود فأدوا لى كثيرا من الخدمات الصغيرة ، وما أحوج المسافر فى القافلة إلى مثلها ، ولم أتوان فى رد هذه الخدمات بأحسن منها. وهكذا ظللنا طوال الرحلة على تفاهم ووفاق ولا أقول على مودة وصداقة ، فإن مصادقة الفقير أمر يزهد فيه الناس ولو كانوا من الزنج.
كان أحد هؤلاء التكارنة من دارفور ، والثانى من كردفان ، وثلاثة قدموا أصلا من برنو ، وقد غادروها من زمن مديد فى قافلة فزان ، ومن فزان مضوا إلى القاهرة وكان كبيرهم ـ واسمه الحاج علي البرناوى وهو الذى تزعم جماعتنا ـ
__________________
(*) علمت بعد ذلك أن شيخ القبيلة لا يمكن أن يكون رئيسا للقافلة ، ذلك أن العرب درجوا من قديم الزمان على عادة لا تزال سارية فى الصحارى الشرقية فى الجزيرة ، وهى ألا يولوا شيخ القبيلة قيادة الجماعات المسلحة التى توجهها القبيلة على العدو. وله أن ينضم الى الحملة إن شاء ، ولكن لواءها يعقد للقائد ، وهى وظيفة تقليدية فى الأسرة. ويقول العرب «الشيخ ما يقيد القوم» ولعلى عائد إلى تناول هذا الموضوع فى يومياتى.