الحال مطمع لا شك فيه ـ بل فى معاملتهم للحجاج الزنوج المساكين الذين يمرون من هنا فى طريقهم إلى التاكة ، فهم يشكون مر الشكوى من سكان عطبرة الذين تحجرت قلوبهم وخلت من كل أثر للرحمة.
ويزرع القوم الذرة وقليلا من اللوبيا فى الغابات القريبة من النهر دون أن يمهدوا لها التربة أى تمهيد. وهم لا يعرفون السواقى ، وتمتد الأرض الخصبة على ضفتى النهر على مسافتين متساويتين ، ولكن الضفة اليسرى خلو من الزرع لما يقوم به عرب الجعليين من غارات للسلب والنهب. ويجلب القوم زادهم من التاكة فى السنوات التى لا يفيض النهر فيها على ضفافه. وتنمو الأشجار التى رأيتها على الضفة الغربية قرب القرية ، وأكثرها نبق ، وثمره موفور حتى أنهم يطعمون عليه الجمال أحيانا. وينمو العشر بين الشجر الكبير ولا يكاد يترك لزراعة الذرة متسعا. وكانت تحوم فى الجو أسراب كثيرة من الحمام واليمام ، ولها عدو كثير العدد هو ضرب من النسر لا يكبر الرخم المصرى إلا قليلا ، وجسمه أسود فاحم ورأسه عار من الشعر تكسوه حمرة أرجوانية قاتمة كرأس الديكة الرومية. ويزعم البشاريون أن غاباتهم تحفل بالنمر ، وأنهم يصادفون فيها الحيات الكبار أحيانا ، ولكنى كنت أعبر الغابات يوميا لأستقى من النهر فلا تقع عينى على حيوان من ذوات الأربع اللهم إلّا جيوشا من الجرذان السمينة تسرح وتمرح بين جذور الذرة المتخلفة فى الأرض. وكان العبيد يقتلون منها الكثير ويلتذون أكله ، ولا تجد للنمل الكبير الذى يقال إنه يسبب أذى كبيرا فى كردفان ودارفور أثرا فى أى بقعة شرقى النيل. وتظهر التماسيح فى النهر وقت فيضانه ، ولكنك لا تجد فيه أفراس النهر ، أما الخرتيت فلا يعرفونه.
وماشية البشاريين ماشية طيبة النوع كثيرة العدد. وحين ألممت بهم كانوا قد أرسلوا إبلهم إلى الجبال الغربية ترعى فيها الكلأ النضر عقب هطول المطر عليها. أما جمالنا فكنا نسوقها كل صباح إلى الغابات لترعى أغصان السنط. وكانت قطعان الضأن والماعز تساق إلى الجبال بعد أن سيقت إليها الإبل. وابتعنا كبشين كبيرين بدمور يساوى ريالا. ويقتنى شيخ البشاريين وبعض أقاربه الخيل ويلبسون الزرد ، ولكل خيمة عندهم حماران.