تثبت له خيانتها بالدليل الحاسم. وقد يرى البشارى غريبا يقبل امرأته فيصرف المسألة بضحكة ، ولكنه قاتلها لا محالة إن أمسكها ترتكب الفحشاء.
وبشاريو عطبرة ـ كغيرهم من البشاريين ـ سلالة تمتاز بوسامة الخلقة وجرأة الطبع ، وهم لا يضعون سلاحهم قط ولا يفيقون من عراكهم وقتالهم. ويتفشى السكر بينهم تفشيه بين عرب شندى ، ولم تمض ليلة لم نسمع فيها صخبهم وضجيجهم فى مشارب البوظة ، وهم ميالون إلى مد أيديهم لمتاع التجار ، وعلى الرغم مما اتخذنا من حيطة وحذر فإن أحدا منا لم يسلم من لصوصيتهم. ففقدنا أشتاتا من متاعنا ، وسرق من الجمال بعضها ولكنها ردت بفضل تدخل رئيس القافلة الذى حصل من أصحابها على هدية طيبة لقاء جهوده. وولعهم بالسرقة ليس شرّ ما فى طباعهم ، فإن فيهم ـ على ما بدالى ـ غدرا وقسوة وحرصا وحبا للثأر ، وهم ينقادون لهذه النزوات فلا يردعهم عنها رادع من دين أو قانون. أذكر أن رجلا من أهل القرية ـ وكان قد صحبنا من شندى ـ افتقد عند وصوله جملين من أفضل جماله فإذا هما مسروقان ، واشتبه الرجل فى جار له فجاء إلى التكارنة يستعين بسحرهم على تأييد شبهته ولكنهم أبوا أن يعطوه جوابا شافيا أو أن يتدخلوا فى الأمر ، فأقسم الرجل ليذبحن عيال اللص لو عرفه وليقطعن إبله تقطيعا وليهدمن بيته حتى يخرج إلى الأحراش يلتمس قوته كما تفعل البهائم. والبشاريون على بكرة أبيهم مسلمون ، ولكنهم لا يعبأون بشعائر دينهم ولا يؤدون فريضة من فرائضه ، فهم فى هذا على نقيض الحجاج الزنوج الذين يمرون بهذا الطريق ، والذين لا تفوتهم فريضة من فرائض الإسلام. وبخل البشاريين على الضيف يكنفى وحده دليلا على أنهم إفريقيون لا غش فيهم ، ولكن لغتهم تؤيد هذا الظن تأييدا لا يترك للشك مجالا. وآية بخلهم أننا لم نستطع أن نظفر منهم بقطرة من اللبن دون أن نؤدى ثمنها ، وقد اقتضتنا النسوة أجرة استعمالنا قدورا من الفخار عتيقة كنا فى حاجة إليها أثناء مكثنا بينهم ، بل إن أحدا منهم لم يرض أن يقوم مترجما بيننا وبين من يجهلون منهم العربية ، دون أن يأخذ لقاء ذلك حفنة من الذرة على الأقل. لهذا الجشع تلحظه فى كل تصرفاتهم ، وهو لا يظهر فى معاملتهم لركاب القوافل فحسب ـ فهؤلاء بطبيعة