وعطبرة مقر شيخ قبيلة الحمداب. ولا يخلط القارىء بينها وبين قبيلة الحميداب ، وهى إحدى قبائل العبابدة. والحمداب من أقوى (١) قبائل البشارية ، وقد سافر شيخهم معنا من شندى بعد أن ابتاع من سوقها العبيد والخيل. ولا تخلو عطبرة من قوم يتجرون مع شندى وينتظرون عندها وصول قوافل سواكن. وما إن علم الجيران أن قافلة قد وصلت وأنها تعتزم البقاء أياما حتى توافدت علينا أفواج البشاريين يحملون الذرة والغنم والسمن واللبن ويريدون المقايضة عليها بالدمور والتوابل لا سيما المحلب والقرنفل واللبان ، وكلها مجلوب من الغرب. وقلّ من هؤلاء القوم من يفهم العربية اللهم إلا المتجرون منهم مع بربر وشندى ، ولكن أكثر عبيدهم يفهمونها ، ذلك أنهم تربوا بين سكان ضفاف النيل. ولباسهم ـ وأخلق بى أن أقول عريهم ـ واحد فى كل مكان ، فهو لا يخرج عن قميص من الدمور يلبسه الرجل والمرأة على السواء. وخيّل إلىّ أن نساءهم على جانب كبير من الحسن ، وفيهن سمرة شديدة وعيون فاتنة وأسنان رائعة ، ولهن قدود نحيلة ممشوقة ، ولم يكن يبدو عليهن أثر للخوف من إضرام الغيرة فى لوب أزواجهن أو آبائهن. فقد قصدن خيامنا ضاحكات عابثات ، ومن كانت منهن تجهل العربية حاولت أن تترجم عما تريد بالاشارة. وظهر لى أن حسانهن شاعرات كل الشعور بما حباهن الله من مفاتن ، ولكن كان من الواضح أنهن ما عابثننا إلا ليبعننا الذرة واللبن بثمن أغلى مما تبيع به أخواتهن اللاتى لا يدانيهن جمالا. على أى حال كن جميعا سواء فى خراب الذمة. وكنت قد سمعت فى مصر أن البشاريين لا يغارون على نسائهم ، فمن أصول الشرف عندهم ألا يرتاب الرجل فى امرأته حتى
__________________
(*) إن كثيرا من القبائل البشارية لا تحتقر الزراعة مع بداوتها ، فينزل أفرادها ضفاف عطبرة عقب الفيضان ليزرعوا الذرة ، ويبقون بها حتى يضموا المحصول ثم يقفلون راجعين إلى جبالهم. فإذا اشتد الحر وجف الكلأ فى الصحراء هبطوا ثانية من الجبال إلى ضفاف النهر انتجاعا للمرعى. ومثل هذا يصدق على التركمان المجاورين لحلب ، فهم يجمعون بين البداوة والزراعة.