وقرية عطبرة ـ وهى أقرب إلى المخيم منها إلى القرية ـ صفوف مستطيلة غير منتظمة من أكواخ قوامها الأبراش وسعف الدوم ، ويسكنها نحو مائتى أسرة من البشارية. هذه الأكواخ هى مسكن القوم فى جميع المفازة الواقعة بين مصر والحبشة ، فهم يستعملون البرش لأن الماعز والغنم النوبية لا صوف لها ولا شعر حتى يصنعوا منه الخيام كما يصنعها البدو الشرقيون ، وهم يدقون فى الأرض صفا من الأعمدة يبلغ طول العمود منها اثنتى عشرة قدما أو خمس عشرة ، ويدقونها متقابلة بحيث تتقارب فى أعلاها ، ويثبتون فوقها أعمدة أخرى فى وضع أفقى ، ثم يلقون الأبراش بحيث تكون فى كل أوضاعها مائلة ميلا يتيح لماء المطر أن يجرى من فوقها. وفى كل كوخ عنقريبان أو ثلاثة تكاد تملأ فراغه كله فلا يبقى منه غير حيز ضئيل للوقوف ، والبشارى فى غنى عن هذا الحيّز على أى حال لأنه ينفق جل وقته متكئا على العنقريب (١). وفى الأكواخ الصغيرة يعيش الرجال والنساء معا ، أما الأكواخ الكبيرة ففيها فواصل من وراء العنقريب تقسمها إلى غرفة أمامية وأخرى خلفية ، وتشغل النسوة الخلفية منهما ـ ولو أنهن لا يفكرن البتة فى الاحتجاب عن الغرباء ـ وتستعمل مطبخا كذلك. ولكبار القوم أكواخ خاصة بالحريم يلحقون بها أحيانا سقيفة يستقبلون فيها الضيوف. والبدو يقيمون هذه الأكواخ أنى حطوا وينقلون معهم الأعمدة والأبراش وما إليها على الجمال.
__________________
(*) فاننى أن أذكر فى موضع سابق من هذه اليوميات أننى رأيت القوم فى جميع بلاد النيل التى زرتها وفى صحراء النوبة أيضا يستعملون مساند خشبية صغيرة طول المسند منها نحو خمس بوصات ، وله رأس بهذا الطول وعرضه ثلاث بوصات أو أربع ، وهو شبيه فى جملته برأس العكاز. والمسند قطعة واحدة من الخشب الصلب ، وخير أنواعه ما جلب من سنار ، ويضعه النائم تحت رأسه ، ويستند إليه بذراعيه حين يتكىء. وإذا خرج وجيه من وجوههم حمل له تابعه مسندا من المساند ، وفى كل بيت أو خيمة تجد مسندا يقدمونه للضيف ، ولكنك لن تستشعر الراحة فى استعماله ما لم تمرن على ذلك منذ صغرك. وحملنى على ذكر هذه العادة ما قرأت فى كتاب مستر سولت من أن أهل الحبشة يستعملون مثل هذا المسند ، ويبدو لى من الأوصاف التى ساقها هو ومستر بروس أن عادات الأحباش شديدة الشبه بعادات السكان غلى حدود وادى النيل.