بلغت أسوان فى الثانى والعشرين من فبراير سنة ١٨١٣ بعد أن زرت معظم آثار وادى النيل ، وكانت تحدونى الرغبة القوية إلى مواصلة الرحلة مصعدا مع النهر إلى أبعد ما أستطيع دون أن أعرض نفسى لخطر قريب. وكنت إبان الأسبوع الذى مكثته بإسنا ـ وهو آخر بلد هام فى صعيد مصر ـ قد جمعت طائفة كبيرة من المعلومات عن أحوال بلاد النوبة ورتبت رحلتى معتمدا عليها. ومن بين الترتيبات التى لم يكن لى عنها مندوحة شراء هجينين كريمين لى ولمن استأجر من الخبراء (١) فى شتى البلاد التى أزمعت المرور بها فى النوبة. لذلك بعت الحمارين اللذين جلبتهما من القاهرة إلى إسنا ، واشتريت هجينين باثنين وعشرين جنيها. وقد أثبتت التجربة أنهما من أقوى الإبل وأصلبها عودا ، فإنى لم أرحهما سوى يوم واحد طوال الرحلة من أسوان إلى المحسّ وبالعكس ، وهى رحلة استغرقت خمسة وثلاثين يوما ، وكنت أنا ودليلى نركبهما بمعدل عشر ساعات فى اليوم.
وفى إسنا سوق للإبل اشتهرت فى مصر كلها لأن عرب البشارية والعبايدة يختلفون إليها ، ومعروف أنهم يقتنون أعرق الإبل فى هذه الأصقاع من إفريقيا. وقد زودنى حاكم إسنا التركى حسن بك ـ وهو رجل قبرصى الأصل ـ بتوصية قوية رجوته أن يوجهها لأبناء سليمان كاشف الثلاثة الذين يحكمون النوبة فيما بينهم. وكنت أعلل نفسى بأن ما يتمتع به والى مصر محمد على من نفوذ متزايد خليق بأن يضفى على هذه التوصية الموجهة من أحد كبار موظفيه شيئا من الأهمية والخطر. وكنت إلى ذلك قد حصلت من الباشا نفسه على فرمان ولكنه كان مكتوبا بالتركية ـ وهى لغة لا يقرؤها النوبيون ـ وكان فرمانا عاما لا تخصيص فيه ، لذلك لم أركن إليه كثيرا ولم يهمنى منه سوى اشتماله على اسم قلعة إبريم واسم حاكمها ، والاسمان واضحان يستطيع أن يتبينهما حتى من لا يعرف سوى العربية.
__________________
(*) الخبراء «الأدلاء» متوفرون فى النوبة والحصول عليهم يسير ، ولكن قل منهم من يرضى أن يركب دابته فى رحلة محفوفة بالخطر.