أما الكتاب الذى عقدت عليه الآمال فى نجاح الرحلة فكان من آل حباتر ـ عيون تجار إسنا ـ وقد أوصاهم بى صديق فى القاهرة. ويكاد آل حباتر يحتكرون تجارة البلح النوبية ، وهم وكلاء للحكام النوبيين فى كافة صلاتهم السياسية بمصر ، يضاف الى ذلك أنهم من الأشراف ذوى الثراء العريض ، لذلك كانوا ينمتعون سمعة طيبة واسعة ، وقد تجدى توصياتهم بالتجار والمسافرين على طول الطريق الصاعد مع النيل حتى سنّار.
وصلت أسوان بعد رحلة سهلة من إسنا اقتضتنى أربعة أيام. وأسوان أبدع بلاد مصر قاطبة ولكنها لا تستحق هذا المديح الذى يكيله لها بعض الرحالة من أجل آثارها وآثار جزيرة الفنتين المجاورة لها. وكنت أحمل من حسن بك حاكم إسنا كتابا إلى أغا أسوان ، فرجوت الأغا أن يزودنى بخبير يصحبنى إلى الدر حيث يقيم حسن كاشف أحد حكام النوبة. وسرعان ما جىء إلىّ بخبير عربى عجوز من أصل نوبى ، وقد رضيت بعد لأى أن أنفحه ريالا إسبانيا نظير مرافقته إياى فى رحلتى إلى الدر ، وهو أجر كاف لرحلة طولها مائة وأربعون ميلا. ثم خلفت بأسوان خادمى ومعه متاعى القليل. وبعد أن تزودت قمت مع خبيرى فى الرابع والعشرين من فبراير وأنا لا أحمل غير بندقيتى وسيفى ومسدسى ، وحقيبة للزاد ، وحراما مغربيا من الصوف يصلح فرشا أو غطاء. وارتديت الزعبوط الأزرق الذى يلبسه تجار الصعيد بعد أن تركت بإسنا ثياب السفر التركية التى كنت أرتديها. وبعد أن قدرت نفقاتى المحتملة فى النوبة ، ألقيت فى كيسى ثمانية ريالات إسبانية جريا على المبدأ الذى لا أحيد عنه فى أسفارى ، وهو أن السائح يكون فى مأمن من العثار والفشل كلما اقتصد فى مصروفه وتخفف من حمل النقود فى أثناء رحلته. ولقد عدت الى أسوان بثلاثة ريالات بعد رحلة قطعت فيها أربعمائة وخمسين ميلا فى سفرى جنوبا ومثلها فى العودة ، فلم تتجاوز جملة ما أنفقت خمسة ريالات ، يدخل فى ذلك كافة النفقات باستثناء الهدية التى قدمتها