إلى المماليك بصلة. ولا تبعد دنقلة عن سواكن أكثر من رحلة عشرة أيام إلى ستة عشر ، لذلك خيف من زمن أن يحاول المماليك التقهقر إلى هذا المرفأ ويتحالفوا مع الوهابيين فى بلاد العرب على محمد على عدوهما المشترك. وقد مر بسواكن أحد كشّافهم ـ واسمه حسن جوهر كاشف ـ قاصدا مكة فى عام ١٨١٢ حين كان الشريف غالب يلى أمر جدة ، وعرف الناس أنه اجتمع مرات بسعود أمير الوهابيين. لذلك ظن الأغا أنه إذا اتهمنى بأننى مملوك متجسس أو هارب ـ وهى تهمة لست أحسبه مؤمنا بها فى قرارة نفسه ـ وإذا قبض علىّ بهذه التهمة استطاع أن يستولى على بضاعتى وهو فى مأمن من اللوم ، واستحق فوق ذلك شكر رؤسائه فى جدة وحمدهم له يقظته وفطنته. قلت للرجل فى هدوء إننى آت لأسمع من فمه هل للأمير الحق فى الاستيلاء على جملى ، فأجاب «ما هو الجمل بس ، بل ناخد عفشك كله ونفتشه وندبّر شغلك مع أفندينا حقا ، ولا تخمن إنك تحيّل علينا يا ... ، واستكثر بخيرنا إذا ما رمينا رقبتك» قلت له إننى لست إلا تاجرا منكود الطالع ، وتوسلت إليه ألا يزيدنى عذابا على عذاب ، وكنت أبغى بالطبع أن أهدىء من ثائرته دون إبراز الفرمانين إذا كان ذلك ميسورا. ولكن سرعان ما أكرهنى يمك على نبذ هذه الفكرة ، فقد شرع يسبنى ويلعننى بالتركية ، ثم نادى شيخا أعرج كان قد خلع عليه لقب «الولى» (أى ضابط البوليس) وأمره أن يضع الأغلال فى يدى ويلقينى فى السجن ويأتيه بعبدى وأمتعتى. هنالك تبين لى أن قد حان الوقت لإبراز فرمانىّ فأخرجتهما من جيب خفى فى زعبوطى أما الفرمان الأول فمكتوب بالتركية على ورقة طولها قدمان ونصف وعرضها قدم ، وممهور بخاتم محمد على الكبير ، وأما الثانى وهو أصغرهما فمكتوب بالعربية وعليه خاتم ابنه إبراهيم ، وقد لقبنى فيه «رجلنا إبراهيم الشامى».
وما إن رآنى يمك أبسط الفرمانين حتى طار لبّه ، أما الحاضرون فقد أخذوا يرمقوننى بنظرات ملؤها الدهشة. ولم يستطع الأغا أن يقرأ من الفرمانين إلا المكتوب بالعربية ، ولكنه قبّلهما جميعا ووضعهما فوق رأسه ، وقال لى فى ذلة ومسكنة إنه ما دفعه إلى صنع ما صنع إلا الحرص على المصلحة العامة دون غيرها ، ثم طلب