عفوى المره بعد المرة. أما حق الأمير فى الاستيلاء على جملى فقد أصبح فى خبر كان ، ثم قال إنه أعفانى من أداء الضريبة عن عبدى وإن تكن من حقه. وسألنى الأغا بطبيعة الحال عن سبب هذا المظهر الذى كنت أبدو فيه. فهذه الثياب التى لم تكن فى بداية الرحلة وجيهة ولا فاخرة قد غدت الآن أسمالا بالية. فأجبته أن محمد على باشا أوفدنى لأتجسس على المماليك وأستطلع حالة بلاد الزنج. وأنى اتخذت زى المتسولين لأكون فى مأمن من الرقباء. هنالك عظم قدرى فى عين يمك. فبدأ يخشى بأسى ويخاف مغبة ما قد أنقل إلى الباشا عن مسلكه وحكمه فى سواكن ، وأصبح الرجل غاية فى الخنوع والتذلل. وأهدانى جارية وحلة من حلله. ولكنى رفضت الهدية. وكنت طوال إقامتى بسواكن أختلف إلى داره كل يوم لأصيب عداء طيبا ما كان أحوجنى إليه ، ولأنعم بتدخين تبغه العجمى. وكان أهل المدينة يسخرون لتذلل الرجل وتقربه إلى صعلوك مثلى بما خاله مجلبة لرضائى. أما أنا فكان هدفى أن أظفر بالحماية ما دمت فى صحبته. وأن أجدد ما فقدت من قوتى ونشاطى بالمشاركة فى طعامه الجيد. وأن أقتصد فى النفقة لأنه لم يبق معى الآن سوى ريالين.
ولقيت فيمن يختلفون إلى مائدة الأغا شريفا كان فيما مضى جابيا للشريف غالب وأغا فى مصوّع ؛ وقد ثبّته محمد على أول الأمر فى وظيفته هذه ولكنه طرده من خدمته بعد قليل لما ارتكبه من غش وتدليس ، فالتجأ إلى سواكن. وقد عرف الرجل مستر صولت فى أثناء زيارته للحبشة ، وأنبأنى أن الشريف غالبا كان قد أمره مشددا بأن يمنع الأوربيين ـ لا سيما الإنجليز ـ من دخول الحبشة ما استطاع إلى معهم سبيلا. ولم يكن الرجل على علم بحقيقة أمرى ؛ لذلك لم أجد ما يدعونى للتشكك فى صحة أقواله. ولم ينس القوم زيارة لورد فالنشيا القصيرة لسواكن ، وكانوا يتكلمون عنها كأنها حدث فريد.
وبقيت طوال إقامتى بسواكن مساكنا للتجار الزنوج خارج القيف على الرغم من إلحاح الأغا فى استضافتى بداره. وقد عاونتهم على تهريب كثير من عبيدهم إلى المدينة ، فردّوا إلىّ هذا الصنيع بأن أمروا عبيدهم أن يجهزوا لى طرفا من اللحم المجفف آخذه فى رحلتى عبر البحر الأحمر.