الذاهبة من سواكن إلى مخا تسير عادة محاذية للساحل الإفريقى راسية فى مرفأ من المرافىء كل مساء حتى تصل مصوع ومنها تعبر إلى البر العربى. وفى القسم الشمالى من البحر الأحمر ترى المراكب الذاهبة من القصير إلى جدة تعبر إلى أقرب نقط البر المقابل ثم تسير محاذية للساحل حتى جدة. أما المراكب الذاهبة من جدة إلى القصير فتتبع الساحل حتى عرض رأس محمد (قول) ومنه تعبر إلى البر المقابل مستعينة بالريح الشمالية. ومراكب العبيد السواكنية أحوج السفن إلى السير بقرب الساحل لاحتشادها فى الغالب بالركاب والعبيد بحيث لا يستغنى الحال فيها عن التزود بالماء كل يوم.
وهبت علينا هذا الصباح ريح غربية مواتية. وأصاب السودانيين جميعا دوار البحر ، ولم يجد الراكب منا متسعا لمد أطرافه ، ولزمنا أماكننا طوال النهار تحت لفحات الشمس المحرقة ، واضطر الملاحون للسير فوق أجسام الركاب ليؤدوا عملهم وأصبح المركب كله مسرحا للفوضى والاضطراب والشجار. ومررنا فى الصباح بضريخ شيخ يدعى «الشيخ برغوت» ، وللضريح قبة بناها على البر الملاحون السواكنية الذين يقدسون الشيخ ويعتبرونه وليا لهم وحاميا. ورأينا الكثير من الدلافين ، وهى فى حجمها وشكلها شبيهة بما تراه منها على ساحل مصر قرب مصاب النيل. ولم يسمح لى البحارة أن أرمى واحدا منها برمح لأن جرح دلفين منها فى اعتقادهم شؤم على الرحلة. وبعد الظهر رسونا على خليج جيايا ، وكنا طوال الصبح نسير وسط صخور لا تعلو عن الماء إلا قليلا. وفيما نحن نمخر الخليج جنحنا إلى بره ، وكثيرا ما يحدث هذا للسفن فى هذه الخلجان ، فقد ألف الملاحون أن يدخلوها ناشرين قلوعهم للريح ، فإذا أصبحوا على مسافة معلومة من البر طووها بسرعة وتركوا السفينة تجرى إلى المرسى ، ولكنهم قد يخطئون حساب هذه المسافة ، ولما كانت سفنهم بغير «هلب» فما أسرع ما ترتطم بالبر قبل أن تستطيع الدوران حول نفسها. وما إن ينزل الشراع حتى يقفز إلى الماء ثلاثة رجال أو أربعة معهم حبال مربوطة فى خطاطيف فيحكمون ربطها فى صخر مرجانى أو شجرة على البر ثم