يمضى الركاب إلى البر كل عشية وقد ينفقون هناك الليل كله. ولما لم يكن معنا قارب صغير ، ولما لم يكن تقريب السفينة إلى البر أمرا ميسورا فى جميع الحالات ، فقد كنا نضطر أحيانا إلى خوض الماء أو السباحة إلى البر (١). وكان الزنوج يضربون خيامهم كل مساء على طريقتهم حين يسافرون فى الصحراء. ولفت تظرى هذا المساء امتلاء البر بالودع ، وكانت المياه التى تتخلل المرجان غاصة بالسمك مختلف الأشكال والألوان. وأرونى محار «السر مباق» الذى يأكله العرب على طوال ساحل البحر الأحمر ، لا سيما فى هذه المنطقة.
وقد رأيت بين الأصداف المتكلسة صدفة جراد البحر (٢). ووفدت إلى البر جماعة من بدو الأمرأر يبيعون الماء والغنم (بسعر ثلاثة خراف سمان بما قيمته ريال من الذرة) ، والمحار والسمك المسلوق والأرانب الجبلية (٣) ، ويأخذون من الريس العطايا التى ألفوا أخذها. وكانوا يجهلون العربية جهلا مطبقا ، ومع أننا كنا نفوقهم عددا فإنهم لم يعبأوا بنا ، وكانوا يعاملوننا فى غير احتفال ولا أدب. وخليج جيايا من أفضل مراسى هذا الساحل ، وتستطيع السفن حتى الكبيرة منها أن تحتمى فيه حين يضطرب الجو وتشتد الأنواء.
١٠ يوليو ـ ساقتنا ريح طيبة قبل الظهر إلى خليج درورو ، وهناك رسونا لأن فى جواره بئرا غزيرة الماء. وقد مررنا أمس واليوم بخلجان أخرى تمخرها المراكب الريفية. وكل ربان على بينة من مواقعها ، ولكن الخبرة الطويلة بها ضرورية للتعرف على مداخلها دون خطأ ، وتقع هذه المداخل وسط تيه من البرك الضحلة. ومضى التكارنة وملأوا قربهم من البئر ، ولما عادوا ردهم الريس ليملأوا للملاحين قدرا كافيا من الماء. وكان هؤلاء المساكين
__________________
(١) فى مرة من هذه المرات سقط فى الماء جراب من جربانى كنت أودعته مجموعة الصخور التى جمعتها فى شندى ، وذلك بسبب إهمال أحد البحارة ، وقد بقى معى قليل من عينات هذه الصخور.
(٢) Lobster
(٣) كثيرا ما كنت أرى الأرانب الجبليه فى سوق سواكن ، وقد أخبرونى أن البدو فيما جاور المدينة يقصّون آثارها فى الرمال ويأخذونها على غرة ثم يقتلونها فى الهجير وهى تتفيأ ظلال الشجر.