يلقون دائما أشد الإساءة والهوان مع أن أحد منهم لايدين بفضل للريس ، فقد أدوا جميعا أجرة ركوبهم. وكان السواكنية والملاحون يوسعوبهم سبا وضربا فى النهار ويلزمونهم بالعمل فى المركب بينما هم جلوس يدخنون فى راحة ودعة. وكان النوتية لا يكفون عن سرقة زاد هؤلاء الحجاج المساكين ومائهم ويحشدونهم فى مكان ضيق كما يحشد ثلاثة أشخاص فى عربة لا تتسع إلا لاثنين. وكان جماعة الملاحين والتجار يخبزون الذرة صباح مساء فى فرن صغير على مقدّم المركب ، أما الزنوج فكانوا يصومون النهار كله ـ لأن استعمال الفرن حرام عليهم ـ إلى أن يرسوا على البر فيظهوا عشاءهم. ولو تجرأ أحدهم وأخرج ورقة من أوراقه ، أو قرأ صلاة أو كتبها ، لرشه بالماء سواكنى منهم وأتلف له كتابه. وفى سواكن يتعرض التكارنة قبل ركوبهم البحر لمضايقة أخرى ، ذلك أن بعض التجار السودانيين ألبسوا عبيدهم مرات لباس الحجاج تهربا من الرسوم المفروضة عليهم ، فلما عرف عنهم هذا اتخذ الأغا منه ذريعة لتحصيل الرسوم على الحجاج الأحرار زاعما أنهم عبيد متخفون ، فهو يتقاضى من الحاج منهم ريالين حتى ولو استطاع أن يثبت كذب هذه الدعوى. وتغص سواكن بالتكارنة قبل موسم الحج بثلاثة شهور أو أربعة ، ولو لا هذه الإساءات التى يلقونها على أيدى السواكنية ، ولو لا ما يحفّ الرحلة عبر البحر الأحمر من مخاطر ـ وكثير منهم تفت فى عضدهم هذه الرحله أكثر من رحلتهم إلى الساحل ـ أقول لو لا هذا لازداد عددهم فى سواكن أضعافا.
١١ يوليو ـ كانت الريح مضادة ، فوجدنا أنفسنا محصورين بين الصخور ، ومررنا بحصن أو برج كبير خرب على ميلين من البر. وأخبرنى السواكنية أن واليا قديما لسواكن بناه بقرب بئر ، وأنه كان محطة على درب بين القصير وسواكن كان فيما مضى مطروقا. وكنت قد سمعت من أهل الصعيد بوجود هذا الدرب فى جبال النوبة من قديم ، وبأن والى سواكن كان يتخذه فى سفره من مصر إلى مقر حكمه ، وأضاف السواكنية إلى ذلك أنه كانت تقوم أبراج كهذا البرج عند كل محطة على الطريق. على أنهم لم يعرفوا هذا إلا سماعا ، فإن أحدا منهم لم يسافر بهذا الطريق.