قائلا إنه ما دام قد حظر على السفر إلى ما بعد سكوت فلم تعد لى بها حاجة. ذلك لم يصدق محمد قصتى ، وقال لى كاتبه العربى «إنك من جواسيس محمد على ، ولكنا هنا فى المحبس نبصق على لحيته ونقطع رأس كل عدو للمماليك». فأكدت له أننى لست عدوا للماليك ، وأننى زرت الأميرين المملوكين بالدر ، وأنهما استقبلانى بمنتهى اللطف. وهكذا انقضت العشية بين أسئلة حادة من طرف ، وإجابات رواغة من الطرف الآخر. وظل كاشف ساهرا مع أخص أصحابه يتشاورون فيما يصنعون بى ، وأنا منتظر ببعيرى تحت سقيفة وراء كوخه. ولم يدر بخلد واحد منهم أننى أوربى. ولم أعلن أنا بالطبع عن هويتى مباهيا أو فخورا ، فقد كنت عازما على عدم الكشف عنها إلا إذا أحدق بى خطر داهم. وفى الليل أوفد رسول إلى حسين كاشف ، فعبر النهر إليه ليستشيره فى أمرى.
١٤ مارس ـ فى الصباح الباكر أقبل حسين كاشف فى نفر من أصحابه ليزور أخاه ويلقى على نظرة. وأعيدت على مسمعى الأسئلة التى سمعتها فى الليلة الماضية ، وأجبت عنها بالإجابات عينها ، ولكن حسينا كان أرق من أخيه معى كان محمد يهدد بإرسال رأسى إلى ابراهيم بك زعيم المماليك ، أما حسين فقد اكتفى بالإذن لى بالإياب ، راجيا منى أن أترك له بعيرىّ وبندقيتى. أما غدارتاى فقد كنت خبأتهما تحت زعبوطى. وأخيرا صارحت الأخوين بأنه لو أصابنى سوء لكان هذا وبالا على تجارتهما بإسنا ، وأنهما إذا شاءا التحقق من صدق روايتى فما عليهما إلا أن يرسلا للدر ، وأننى حتى لو كنت جاسوسا لمحمد على كما يزعمان ، لما رضى الباشا أن يقتل أحد رجاله غيلة دون أن يثأر له. أما وأننى لست إلا سائحا ، فلا عذر لهما ألبتة فى حجزى أو الإساءة إلى شخصى. وبعد لأى استطعت بهذه الحجج ونحوها أن أقنع الأخوين بعض الإقناع ، ولكنى فى شك كبير مما كان ينتظرنى على يديهما آخر الأمر لو لا أن قيض الله لى شخصين من أبناء أخى حاكم سكوت ، قدما فى زيارة لقريبهما ، فأمنا على ما قلت ، لأنهما كانا قد رأيا التوصية القوية التى كنت أحملها من حسن كاشف لعمهما داود كرا. وهنا تغير أسلوب الأخوين فى الحديث إلىّ ، ولكنى بقيت برغم ذلك موضع ريبة وتوجس شديدين