وقيل : إنّ إبراهيم ـ صلى الله عليه ـ لمّا قطع الفرات من حرّان (١) أقام ينتظر ابن أخيه «لوطا» ، في كثير ممّن يتبعه في سنة شديدة المحل. وكان الكنعانيون يأتون إبراهيم ـ عليهالسلام ـ بأبنائهم فيهبونهم منه ؛ ويتصدّق عليهم بأقواتهم من الطّعام ، والغنم. وصار إبراهيم ـ عليهالسلام ـ إلى أرض حلب فاتخذ الركايا ، وكرا الأعين ؛ ومنها : عين إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وهي التي بنيت عليها مدينة حلب.
وكان للكنعانيين بتلّ القلعة في رأسه بيت للصّنم ؛ فصار إليه ابراهيم ـ عليهالسلام ـ فأخرج الصنم ؛ وقال لمن حضره من الكنعانيين : أدعوا إلهكم هذا أن يكشف عنكم هذه الشّدة. فقالوا : وهل هو إلا حجر؟ فقال لهم : فإن أنا كشفت عنكم هذه الشّدّة ، ما يكون جزائي؟ فقالوا له : نعبدك فقال لهم : بل تعبدون الّذي أعبد ؛ فقالوا : نعم.
فجمعهم في رأس التلّ ؛ ودعا الله ، فجاء الغيث. وضرب إبراهيم ـ عليهالسلام ـ برأس ظلّه حين أقلع الغيث. وتوافت إليه رعاؤه ؛ فكان يأمر أصحابه بإصلاح الطّعام ، ويضعه بين أوعية اللّبن ؛ ويأمر بعضهم فينادي : «ألا إنّ إبراهيم قد حلب فهلمّوا» فيأتون من كلّ وجه ، فيطعمون ، ويشربون ، ويحملون ما بقي إلى بيوتهم. فكان الكنعانيون يخبرون عن مقام
__________________
(١) حران الآن قرية مهملة داخل الحدود التركية ، قريبة من أطراف محافظة الرقة ، وكانت دوما من أهم مدن بلاد الشام لاسيما في الجوانب الفكرية والعقائدية.