وثار أهل الحاضر بخالد بن الوليد ، وعليهم «ميناس» ـ وهو رأس الرّوم وأعظمهم فيهم بعد هرقل ـ فالتقّوا بالحاضر ؛ فقتل «ميناس» ومن معه مقتلة لم يقتلوا مثلها. ومات الروّم على دمه حتى لم يبق منهم أحد.
وأما أهل الحاضر فكانوا من تنوخ ، منذ أول ماتنخوا بالشّام ، ونزلوه وهم في بيوت الشعر ؛ ثم ابتنوا المنازل ؛ فأرسلوا إلى خالد : أنّهم عرب ؛ وانهم لم يكن من رأيهم حربه ؛ فقتل منهم ، وترك الباقين.
فدعاهم أبو عبيدة بعد ذلك إلى الإسلام فأسلم بعضهم ، وبقي البعض على النصرانية ؛ فصالحهم على الجزية. وكان أكثر من أقام على النصرانية بنو سليح بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة (١).
ويقال : إنّ جماعة من أهل ذلك الحاضر أسلموا في خلافة المهديّ ، فكتب على أيديهم بالخضرة : قنّسرين.
ثم إنّ خالدا سار فنزل على قنّسرين ، فقاتله أهل قنّسرين ، ثم لجؤوا إلى حصنهم ، فتحصنوا فيه ، فقال : «إنكم لو كنتم في السحاب لحملنا الله عليكم أو لأنزلكم إلينا» ثم إنهم نظروا في أمرهم ، وذكروا ما لقي أهل حمص فطلبوا منه الصلح ؛ فصالحوه على صلح حمص ، فأبى إلا على إخراب المدينة فأخربها.
__________________
(١) لمزيد من التفاصيل ـ انظر البلدان للبلاذري ـ تحقيقي ـ ص ١٧٠ ـ ١٧٢. مغازي ابن حبيش ـ تحقيقي ـ ص ٢٢٥ ـ ٢٢٦. ومفيد أن نشير إلى أن نظام الحواضر في بلاد الشام قد اندثر الآن ، اللهم إلا في مدينة حماة حيث ما يزال الجزء العلوي ـ الشمالي ـ منها يعرف باسم الحاضر ، وتتركز علاقات هذا الجزء مع أهل البادية.