وقفل خالد سالما ، غانما ، وبلغ الناس ما أصابوا تلك الصائفة ؛ وقسم خالد فيها ما أصاب لنفسه ؛ فانتجعه رجال من أهل الآفاق ، وكان الأشعث بن قيس ممن انتجع خالدا بقنسرين ، فأجازه بعشرة آلاف درهم.
وكان عمر لا يخفى عليه شيء في عمله ؛ فكتب إليه من العراق بخروج من خرج منها ، ومن الشام بجائزة من أجيز فيها. فدعا البريد ، وكتب معه إلى أبي عبيدة : أن يقيم خالدا ، ويعقله بعمامته ، وينزع عنه قلنسوته. حتى يعلمكم من أين أجاز الأشعث؟ أمن ماله؟ أم من إصابة أصابها؟ فان زعم أنّها من إصابة أصابها فقد أقرّ بخيانة ؛ وإن زعم أنّها من ماله ، فقد أسرف. واعزله على كل حال ، واضمم إليك عمله.
فكتب أبو عبيدة إلى خالد فقدم عليه ؛ ثم جمع الناس ؛ وجلس لهم على المنبر ، فقام البريد فقال : «يا خالد ، أمن مالك أجزت بعشرة آلاف ، أم من إصابة»؟ فلم يتكلم حتى أكثر عليه ، وأبو عبيدة ساكت لا يقول شيئا. فقام بلال إليه فقال : «إنّ أمير المؤمنين أمر فيك بكذا وكذا». ثم تناول عمامته ، فنقضها ، لا يمنعه سمعا وطاعة. ووضع قلنسوته ، ثم أقامه فعقله بعمامته ، ثم قال : «ما تقول أمن مالك أم من إصابة»؟ قال : «لابل من مالي» فأطلقه ، وأعاد قلنسوته ، ثم عمّمه بيده. ثم قال : «نسمع ونطيع لولاتنا ، ونفخم ونحترم موالينا».
وأقام خالد متحيرا ، لا يدري أمعزول أم غير معزول. وجعل أبو عبيدة يكرمه ويزيده تفخيما ولا يخبره ؛ حتى إذا طال على عمر أن يقدم ظن الذي قد كان. فكتب إليه بالوصول.