فأتى خالد أبا عبيدة فقال : «رحمك الله ما أردت إلى ما صنعت؟ كتمتني سرّا كنت أحب أن أعلمه قبل اليوم». فقال أبو عبيدة : «إني والله ما كنت لأروعك ما وجدت من ذلك بدّا ؛ وقد علمت أن ذلك يروعك».
قال : فرجع خالد إلى قنسرين ، فخطب أهل عمله ، وودعهم. وقال خالد : «إنّ عمر ولاني الشام حتّى إذا ألقى بوانيه وصار بثنيّة (١) وعسلا عزلني ، واستعمل غيري».
وتحمّل وأقبل إلى حمص فخطبهم ، وودعهم. وسار إلى المدينة حتى قدم على عمر فشكاه ؛ وقال : «لقد شكوتك إلى المسلمين وبالله إنّك في أمري غير مجمل يا عمر». فقال عمر : «من أين هذا الثّراء؟ فقال : «من الأنفال والسّهمان». فقال : «مازاد على الستين ألفا فلك». فشاطره على ما في يده وقوّم عروضه ، فخرجت عليه عشرون ألفا ؛ فأدخلها بيت المال ، ثم قال : «يا خالد! والله إنّك لعليّ الكريم ، وإنّك إليّ الحبيب ؛ ولن تعاتبني بعد اليوم على شيء». ثم إنّه عوّضه بعد ذلك عما أخذه منه (٢).
واستعمل أبو عبيدة على قنسرين حبيب بن مسلمة بن مالك.
__________________
(١) بهامش الأصل : البثنية : الحنطة التي تنبت في البثنية وهي السهل. وجاء في النهاية لابن الأثير : في حديث خالد : فلما ألقى الشام بوانيه عزلني واستعمل غيري ؛ أي خيره وما فيه من السعة والنعمة ، والبواني في الأصل : أضلاع الصدر ، وقيل الأكتاف والقوائم ، الواحدة بانية.
(٢) لخالد بن الوليد ترجمة وافية في كتاب بغية الطلب لابن العديم ، منها استخلص ما أورده هنا من معلومات ص ٣١٢٠ ـ ٣١٧٣.