مضمار الحضارة وبخاصة في النواحي العلمية منها. مما ساعد على أزدهار الحضارة العربية فبلغت ذروتها خلال القرن التالي الذي اعتبر ازهى عصورها. هذا بالاضافة الى تخلص سكان مدينة بغداد من عبث الجند الاتراك وعنتهم.
على ان هذه النتائج الايجابية لانتقال المعتصم بالله الى عاصمته الجديدة ، قد صحبتها نتائج سلبية أثرت على مسيرة الدولة العربية آنذاك. وكان اهم تلك النتائج استفحال امر الاتراك. فقد ساعدتهم الطريقة التي اتبعت في اسكانهم في سامرا على التقارب والتآلف فيما بينهم مما ولد في نفوسهم شعورا بقوتهم واهميتهم في الدولة. فعملوا على زيادة نفوذهم ، واتساع تدخلهم في شؤونها. فأشتد الصراع بينهم وبين الخلفاء مدة استغرقت الجزء الاكبر من عمر العاصمة الجديدة. اذ فقد الخلفاء خلالها سلطانهم وغدا كبار القواد الاتراك هم الحكام الفعليين لانهم قد استولوا ، منذ مقتل المتوكل على الله ، على شؤون الدولة واموالها ، واستضعفوا الخلفاء ، فكان الخليفة في يدهم كالأسير ان شاءوا ابقوه وان شاءوا خلعوه او قتلوه (١). مما جعل الخلفاء يحاولون الانتقال الى مدينة اخرى او العودة الى بغداد للتخلص من سيطرة اولئك القواد ونفوذهم. مما سنعرض لتفصيلاته في فصول قادمة. وهكذا عاد المعتمد على الله الى بغداد في اواخر ايامه ، حتى تولى المعتضد بالله في سنة ٢٧٩ ه فهجر سامرا. وبذلك انتهى الدور السياسي للمدينة التي قدر لها ان تلعب دورا مهما في التاريخ العربي.
٢ ـ اختيار موضع سامرا :
بعد ان استقر رأي المعتصم بالله على ان الانتقال بعساكره من بغداد امر لا بد منه اخذ يتقرى مكانا تتوفر فيه المواصفات المطلوبة
__________________
(١٨) الفخري / ٢٢٠.