بالله كان قد فرغ من بناء قصره في الميدان ببغداد فجلس للناس فيه ، فأستأذنه اسحاق الموصلي في الانشاد ، فأذن له ، فأنشده شعرا كان اول بيت فيه :
يا دار غيرك البلى فمحاك |
|
يا ليت شعري ما الذي ابلاك |
فتشاءم المعتصم من ذلك وتطير به ، وتغامز الناس وعجبوا كيف ذهب هذا على اسحاق مع فهمه وعلمه. وان المعتصم بالله خرج الى سر من رأى وخرب القصر (١).
ونستطيع ان نضيف الى ما ذكرناه من الاسباب التي دفعت المعتصم بالله الى الانتقال من بغداد ، سببا آخر يتعلق بشخصيته نفسه. فقد كان ذا نزعة عسكرية يعتز كثيرا بجيشه ، وقد اراد ان تكون له عاصمة خاصة به وبجيشه مقتديا بجده ابي جعفر المنصور وبغيره من الملوك العظام. وان مقابلته رهبان الدير الذي كان في موقع سامرا قبل بنائها ، وما دار بينه وبينهم من حديث حول اسم الموضع وتاريخه ، يؤكد رغبته في ان يبني مدينة خاصة به ينزلها هو وينزلها اولاده من بعده (٢).
وقد كان لانتقال عاصمة الدولة العربية من مدينة السلام الى سامرا نتائج مهمة. فقد اقيمت العاصمة الجديدة بتصاميم وخطط متقدمة اتاحت فرص العمل لعدد كبير من ذوي الحرف المتعلقة بالبناء والعمران. وكان قيام سامرا بموجب هذه التصاميم والخطط فرصة لبروز الفن العمراني العربي بزخارفه المبتكرة مما يعتبر من مفاخر الحضارة العربية. وادى الانتقال الى سامرا الى قيام مركز حضاري جديد مهم الى جانب بغداد ، كانت المنافسة العمرانية والعلمية التي قامت بينهما خير مشجع على التقدم في
__________________
(١٦) الذخائر والتحف / ١٢٩ ـ ١٣٠ ، والهفوات النادرة / ١٧ ـ ١٨ ، وتاريخ الخلفاء / ٣٣٧.
(١٧) كتاب البلدان / ٢٥٧.