انتهجها في اسكانهم عند ما بنى مدينة سامرا ، اذ حرص على ان يكونوا معزولين بمناطق سكناهم عن بقية الناس.
ان ما استعرضناه مما ذكره المؤرخون عن اسباب انتقال المعتصم بالله من بغداد يدور كله حول ضيق أهل بغداد بجنده من الاتراك وشكاواهم المتكررة من تصرفاتهم وتعدياتهم ، وشكوى الجند انفسهم من اعتداء الناس عليهم. على ان هناك سببا آخر ورد ذكره على لسان المعتصم بالله نفسه ، يستنتج منه انه لم يكن مطمئنا الى الحربية من جيشه ، وهم العرب ، لانهم كانوا قد تلكأوا في مبايعته واظهروا ميلهم الى العباس بن المأمون. ويقول أحد كتابه وهو ابو الوزير احمد بن خالد : «بعثني المعتصم بالله في سنة (٢١٩ ه) وقال لي : يا احمد اشتر لي بناحية سامرا موضعا ابني. فيه مدينة ، فاني اتخوف ان يصيح هؤلاء الحربية صيحة فيقتلوا غلماني ، حتى اكون فوقهم فان رابني منهم ريب اتيتهم في البر والبحر حتى آتي عليهم» (١).
ويروي ابن الطقطقي هذا السبب بالشكل الآتي «ان المعتصم خاف من ببغداد من العسكر ولم يثق بهم فقال : «اطلبوا لي موضعا اخرج اليه وابني فيه مدينة واعسكر به ، فان رابني من عساكر بغداد حادث كنت بنجوة وكنت قادرا على ان آتيهم في البر وفي الماء» (٢). مما يستدل منه انه كانت هناك فئات اخرى في الجيش تنقم على المعتصم بالله ، الى جانب العرب ، لاعتماده على الجند الاتراك وثقته بولائهم له.
وهناك سبب ثالث لخروج المعتصم بالله من بغداد ذكره صاحب «الذخائر والتحف» وصاحب «الهفوات النادرة» والسيوطي. ومع ما تضمنه الخبر من اوهام ومبالغة ، فان خلاصته ان المعتصم
__________________
(١٤) الطبري ٩ / ١٧ ، والكامل ٦ / ٤٥١ ، ومعجم البلدان ٣ / ١٧٤.
(١٥) الفخري / ٢١١.