الجند ضربه فمنعهم المعتصم ، وقال له : مالك يا شيخ؟ فقال : لا جزاك الله خيرا عن الجوار ، جاورتنا مدة فرأيناك شر جار ، جئتنا بهؤلاء العلوج من غلمانك الاتراك فاسكنتهم بيننا فايتمت صبياننا وارملت نساءنا والله لنقاتلنك بسهام السحر ، يعني الدعاء ، والمعتصم يسمع ذلك. فدخل منزله ولم ير راكبا الا في يوم مثل ذلك اليوم ، فركب وصلى بالناس العيد ، وسار الى موضع سامرا فبناها (١).
ولخص ابن دحيّة ما ذكره من سبقه من المؤرخين الا انه اشار الى سبب آخر من اسباب نقمة العامة على الجند هو النزول عليهم في مساكنهم قسرا ، وهو امر لم يألفه العرب ، فيقول : «ان العامة شكوا اليه من الجند والنزول عليهم في المساكن والتعرض بهم ، فقال له بعض صلحاء المحدثين : يا أمير المؤمنين اني لا آمن عليك ان يقاتلك العامة ، فقال له : ولم تقاتلني العامة ، ومن يحملها على ذلك وانا في هذا العسكر العظيم؟ فقال له : يقاتلونك بسهام الليل ورفع الايدي الى الله تعالى في المساجد. فركب في الحال وتخير موضع سر من رأى على دجلة» (٢).
لا ريب في ان ضيق العاصمة بغداد بجند المعتصم بالله لكثرتهم ، وتخلفهم الحضاري عن سكان المدينة ، وما ترتب من النتائج السيئة عن احتكاكهم بالناس وتعديهم عليهم ، ووقوع الاذى بين الطرفين بحيث ضاق كل منهما ذرعا بالآخر ، وحرص المعتصم بالله على ان لا يغضب اهل بغداد ، وهي حاضرة الدولة العربية وكبرى مدنها ، وقد شعر بانتشار روح النقمة والتذمر بينهم ، وخشية من أن يؤدي ذلك الى قيام فتنة لا يريدها ، مما جعله يقرر عزل الجيش بثكناته واصطبلاته بعيدا عن بغداد. ومما يؤيد ذلك الطريقة التي
__________________
(١٢) الفخري ٢١١.
(١٣) النبراس / ٦٥.