«كان سبب خروج المعتصم ان غلمانه الاتراك كثروا ببغداد فتولعوا بحرم الناس واولادهم ، فاجتمع اليه جماعة منهم وقالوا : يا امير المؤمنين ما احد احب الينا مجاورة منك لأنك الامام والمحامي عن الدين ، وقد افرط علينا امر غلمانك ، فاما منعتهم منا واما نقلتهم عنا. فقال : نقاهم لا يكون الا بنقلي ، ولكني افتقدهم وازيل ما شكوتم منه. فنظروا فأذا الامر قد عظم وزاد. وخاف ان تقع بينهم حرب. وعاودوه بالشكوى وقالوا : ان قدرت على نصفتنا والا فتحول عنا. فقال : أتحول وكرامة ، ورحل الى سر من رأى» (١).
ويذكر مثل هذا ياقوت الحموى فيقول : «ان جيوش المعتصم كثروا حتى بلغ عدد مماليكه من الاتراك سبعين الفا ، فمدوا ايديهم الى حرم الناس وسعوا فيها بالفساد. فاجتمع العامة ووقفوا للمعتصم وقالوا : يا امير المؤمنين ما شيء احب الينا من مجاورتك لأنك الحامي للدين ، وقد افرط علينا امر غلمانك وعمنا اذاهم ، فاما منعتهم عنا او نقلتهم عنا. فقال : اما نقلهم فلا يكون الا بنقلي ولكني افتقدهم وانهاهم وازيل ما شكوتم منه. فنظروا واذا الأمر قد زاد وعظم. وخاف منهم الفتنة ووقوع الحرب. وعاودوه بالشكوى وقالوا : ان قدرت على نصفتنا والا فتحول عنا ، والا حار بناك بالدعاء وندعو عليك بالاسحار. فقال : هذه جيوش لا قدرة لي بها ، نعم اتحول وكرامة ، وساق من فوره حتى نزل سامراء» (٢).
ويقول مثله ابن الطقطقي ايضا «ان المعتصم استكثر المماليك فضاقت بهم بغداد وتأذى بهم الناس ، وزاحموهم في دورهم وتعرضوا بالنساء فكان في كل يوم ربما قتل منهم جماعة. فركب المعتصم يوما فلقيه رجل شيخ فقال للمعتصم : يا ابا اسحاق ، فاراد.
__________________
(١٠) تذكرة ابن حمدون / ١٠٣ ـ ١٠٤.
(١١) معجم البلدان ٣ / ١٧٤ ـ ١٧٥.