الجند ما خاف منه المعتصم. فلما وثب اهل الشام وعصوا خرج الرشيد الى الرقة فاقام بها اياما ، وبقيت مدينة القاطول لم تستتم (١). ويظهر ان ذلك كان بعد ان استفحل امر البرامكة وفكر بالتخلص منهم. ولعله اراد الابتعاد عن بغداد لكثرة اتباعهم ومؤيديهم فيها ، لكي يستطيع ان يتدبر امرهم. وكان الرشيد قد حفر نهرا كبيرا هناك سماه ابا الجند لانه كان يسقى ارضا خصصت غلاتها لارزاق الجند (٢). الا ان الوقت لم يتسع له لاتمام المدينة والانتقال اليها كما اشرنا آنفا. فترسم المعتصم بالله خطى ابيه في الانتقال الى القاطول ، ولعله فكر في اتمام بناء المدينة التي بدأها ابوه ولم يتمها. فخرج اليها واستطلع جوها فاستطاب هواءها ، ورآها اصلح المواضع لاقامة مدينة ينتقل اليها.
أمر الخليفة مهندسيه بتخطيط المدينة بحيث يجعلون البناء فيها على جانبي القاطول وبينه وبين نهر دجلة. وان يقسموها الى قطائع وزعها على القواد والكتاب ورجال حاشيته والناس. فباشر المهندسون العمل واحضروا مواد البناء وجاءوا بالبنائين والصناع ، فأقاموا قصرا للخليفة. وبنوا بجواره بيوت رجال الحاشية. كما أنشأوا معسكرا للجيش احاطوه بالاسوار. وبنى قادة الجيش وكبار رجال الدولة قصورهم بالآجر على ضفاف دجلة والقاطول. وبنيت الاسواق وحولها الدور ، وقد شيد معظمها باللبن. ويظهر انه كانت هناك قرية على القاطول يسكنها قوم من الجرامقة وناس من النبط ، فقال احد الشعراء يعيّر المعتصم بالله بانتقاله من بغداد ومجاورته الجرامقة (٣) :
__________________
(٢٦) الطبري ٩ / ١٧.
(٢٧) فتوح البلدان / ٢٩٥ ، ومعجم البلدان ٣ / ١٧٤.
(٢٨) مروج الذهب ٤ / ٥٤ والجرامقة طائفة من العجم نسبتها الى مدينة جرمق بين اصبهان ونيسابور. وقد نزل بعضهم بالموصل في اوائل الاسلام ـ معجم البلدان ٢ / ١٣٩ ، وترتيب القاموس المحيط ١ / ٤٠٩.