فقال لي سلمويه : احسب ظن نصر بن منصور قد صح. وكان ذلك في رجب سنة احدى وعشرين ومائتين» (١).
ان ما ذكره ابو الوزير ، وما رواه ابن ابي اصيبعة يستنتج منه ان المعتصم بالله كان يفكر بالانتقال الى عاصمة اخرى ، ولذا يمكن القول ان شكوى اهل مدينة السلام كانت سببا مباشرا لانتقاله عنها.
ويظهر ان سعة الموضع وموقعه من نهر دجلة وبعده عن بغداد مما اغرى المعتصم بالله بأن يختاره لأن يقيم فيه مدينته التي ازمع على تأسيسها. على ان هناك اسبابا اخرى جعلته يفضل هذا الموضع على غيره. فانه كان محاطا بالمياه من جميع اطرافه بحيث انها تشكل سورا دفاعيا يحيط بالمدينة. فنهر دجلة يلازمها من جهتها الغربية ويسير بمحاذاتها من اقصى شماليها حتى اقصى جنوبيها ، مما يؤمن اضافة الى اهميته الدفاعية سبيلا للمواصلات النهرية ونقل البضائع والمؤن وغيرها الى المدينة عن طريق النهر ، سواء كان ذلك من شمالي العراق او جنوبيه. اما من الجهات الاخرى فان مجرى النهروان ـ وهو مجرى القاطول او الرصاصي ـ الذي يفرع من دجلة من شمالي مدينة سامرا ، يجري بموازاة دجلة فيحيط بالمدينة من الجهتين الشمالية والشرقية. وان مجرى نهر القائم ـ وهو قاطول الرشيد ـ الذي يتفرع من دجلة من جنوبي سامرا ويلتقي بمجرى الرصاصي قبل وصوله الى نهر العظيم يحيط بالمدينة من الجهة الجنوبية. وذلك مما اغناه عن احاطة المدينة بسور يصد عنها الهجمات شأن المدن الاخرى في ذلك العهد. ثم ان الموضع الذي تقع فيه المدينة يؤلف جرفا يرتفع عن مستوى مياه النهر ، مما يجعلها في مأمن من اخطار الفيضان. ولا يخفى ان الفيضان كان
__________________
(٥٧) عيون الانباء / ٢٣٥ ـ ٢٣٦.