الكلف : وهو شدة الحب ثم العشق : وهو اسم لما فضل عن المقدار الذي اسمه الحب ، ثم الشعَف : وهو إحراق القلب مع لذة يجدها وكذلك اللوعة واللاعج : فإن تلك حرقة الهوىٰ وهذا هو الهوىٰ المحرق ثم الشغف : وهو أن يبلغ الحب شغاف القلب وهي جلدة دونه ، ثم الجوىٰ : وهو الهوى الباطن ثم التيم : وهو أن يستعبده الحب ثم التبل : هو أن يسقمه الهوىٰ ثم التدليه : وهو ذهاب العقل من الهوى ، ثم الهيوم : وهو أن يذهب على وجهه لغلبة الهوى عليه ، ومنه : رجل هائم » (١).
أرأيت هذا العرض المتسلسل ، وهذه الدلالات المتفاوتة في هذا البيان الدقيق ، وكيف قد تتبع مسميات الحب بدلالته المنبعثة من حالاته المتمايزة ، وكيف قد كشف الزخم الدلالي لدىٰ العربيّة في نموذج واحد.
٧ ـ فإذا جئنا إلى عبد القاهر الجرجاني ( ت: ٤٧١ ه ) ، وجدناه مخططاً عملياً للموضوع ، فهو حينما يتكلم عن الدلالة من خلال نظرية النظم لديه ، فإنما يتكلم عن الصيغة الفنية التي خلص إليها في شأن الدلالة ، يقول عبد القاهر :
« وجب أن يعلم مدلول اللفظ ليس هو وجود المعنى أو عدمه ، ولكن الحكم بوجود المعنى أو عدمه » (٢).
فالألفاظ دالة على المعاني لا شك ، ولكن الحكم القطعي عقلياً بوجود المعاني التي تدل عليها الألفاظ هو الأمر المبحوث عنه وجوداً أو عدماً ، وكأنه بذلك يريد الفائدة المتوخاة عند إطلاق الألفاظ على المعاني المقصودة الثابتة لذلك فهو يعقب على هذا : « معنى اللفظ عندنا : هو الحكم بوجود المخبر به من المخبر عنه أو فيه إذا كان الخبر إثباتاً ، والحكم بعدمه ، إذا كان منفياً » (٣).
ومراده أن من شأن الجملة أن يتغير معناها بالبناء عليها عند الدلالة
________________
(١) الثعالبي ، فقه اللغة وأسرار العربية : ١٧١.
(٢) عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الإعجاز : ٢٣٤.
(٣) المصدر نفسه : ٣٣٦.