والذي يؤخذ على ابن الأثير في هذا المقام وغيره من مواطن إفاضاته البلاغية والنقدية والدلالية هو نسبته جميع المفاهيم وإن سبق إليها من هو قبله وادعاؤه التنبيه عليها وإن نبه غيره ، ولا يعلل منه هذا إلا بعدم قراءة جهود السابقين ، وهو بعيد على شخصيته العلمية المتمرسة ، وأما ببخس الناس أشياءهم ، وهذا ما لا يحمد عليه عالم جليل مثله ، وإلا فقد رأيت قبل وريقات أن عبد القاهر قد خطط بل وجدد لما أبداه هنا ابن الأثير.
٩ ـ وهذا حازم القرطاجني ( ت : ٦٨٤ ه ) بكثرة إضاءته وتنويره في منهاج البلغاء ، نجده يؤكد الحقائق الدلالية السابقة لعصره ، وعنده أنها من المسلمات حتى أنه ليقارن بين دلالة المعاني والألفاظ ويعبر عنهما بصورة ذهنية ، وهو إنما يحقق في ذلك من أجل أن يتفرغ لإتمام اللفظ بالمعنى وإتمام المعنى باللفظ ، في تصور جملي متتابع ، فيقول : ـ
« إن المعاني هي الصور الحاصلة في الأذهان عن الأشياء الموجودة في الأعيان. فكل شيء له وجود خارج الذهن وأنه إذا أدرك حصلت له صورة في الذهن تطابق لما أدرك منه ، فإذا عبر عن تلك الصورة الذهنية الحاصلة عن الإدراك ، أقام اللفظ المعبر به هيئة تلك الصورة في أفهام السامعين وأذهانهم » (١).
فهو يرىٰ تشخيص اللفظ للصورة الذهنية عند إدراكها بما يحقق الدلالة المركزية التي يتعارف عليها الاجتماع اللغوي ، أو العرف التبادري العام بما يسمى الآن الدلالة الاجتماعية ، اللغوية ، المركزية ، وهي تسميات لمسمىٰ واحد.
١٠ ـ ونجد السيوطي ( ت : ٩١١ ه ) وهو كثير النقل عمن سبقه ، وكتاباته لا تعبر عن جهده الشخصي في الاستنتاج بل قد تعبر عن جهده الشخصي في الاختيار ، وله في هذا الاختيار مذاهب ومذاهب ، قد ينسب بعضها إلى أهلها وقد يحشر بعضها في جملة آرائه ، وقد ينقلها نقلاً حرفياً ،
________________
(١) حازم القرطاجني ، منهاج البلغاء : ١٨.