انتقاص الأطراف وهاتان حقيقتان علميتان بنظرية دحو القطبين وحركتهما يوضحهما قوله تعالى : ـ
( لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠) ) (١).
ب ـ وفي قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الحِسَابِ (٣٩) ) (٢).
« ففي هذه الصورة الأخاذة يتجلى سطح الصحراء العربية المنبسطة ، والخداع الوهمي للسراب ، فنحن هنا أمام عناصر مجاز عربي النوع ، فأرض الصحراء وسماؤها قد طبعا عليه انعكاسهما ... حين نستخدم خداع السراب المغم ، لنؤكد بما تلقيه من خلال تبدد الوهم الهائل ، لدى إنسان مخدوع ، ينكشف في نهاية حياته غضب الله الشديد في موضوع السراب الكاذب ... سراب الحياة » (٣)، فلفظ « سراب » استقطب مركزياً دلالته من خلال البيئة العربية المشاهدة المحسوسة ، وكما يتلاشىٰ هذا السراب فجأة ، وينطفي تلألؤه بغتة ، فكذلك ما أمله هؤلاء الكافرون بأعمالهم الخادعة ، متماثلة معه في خداع البصر وانطماس الأثر ، فلو عطفنا دلالة « الظمآن » الإيحائية ، لوجدنا الظمآن في تطلبه للماء ، ووصوله إلى السراب يقضي حسرة أشد ، وفاقة أعظم ، وحاجة متواصلة ، ولكنه يصطدم بالحقيقة الكبرىٰ وهي الله تعالىٰ ، فيوفّيه حسابه ، دون معادلات معروفة ، فلا المراد حقق ، ولا الحياة استبقى ولا الثواب استقصى ، وإنما هي حسرات في حسرات.
ح ـ ولو تتبعنا مآل هؤلاء الكافرين في خيبة آمالهم وخسران أعمالهم ، لوجدنا الصورة المتقابلة مع تلك الصورة بقوله تعالى : ـ
( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ
________________
(١) سورة يس : ١٤.
(٢) سورة النور : ٣٩.
(٣) مالك بن نبي ، الظاهرة القرآنية : ٣٥٥.