وفي ردف إنما هو يردفه من غير إدغام اللام ، والباء لا موضع لها في الحاد أو بظلم ، ولو قيل : قادر على أن يحيي الموتى كان كلاماً صحيحاً لا يشكل معناه ولا يشتبه (١).
وقد حررت للخطابي مقارنة سليمة في الإجابة عن هذه الافتراضات رداً ومناقشة وبيان حال ، وسأحاول أن ألخصها بشكل لا تفقد فيه جوهرها ، وأوردها بصورة تحكي عن هدف صاحبها ولعل في ذكرها تخليداً لذكراه ، ولكن فيها أيضاً وأولاً ، بياناً لطاقات بيانية مهمة واستعمالات بلاغية رائدة ، انفرد بها القرآن دون سائر النصوص الإلهية والبشرية ، مما يجعل الخطابي رحمهالله من أوائل أولئك الأفذاذ الذين يسروا الطريق أمام فهم القرآن بلاغياً ونقدياً على الوجه التالي : ـ
١ ـ فأما قوله تعالى : ( فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ) يوسف / ١٧ ، فإن الافتراس معناه في فعل السبع القتل فحسب ، واصل الفرس دق العنق ، والقوم إنما أدعوا على الذئب أنه أكله أكلاً ، وأتى على جميع أجزائه وأعضائه فلم يترك مفصلاً ولا عظماً ، وذلك أنهم خافوا مطالبة أبيهم بأثر باق منه يشهد بصحة ما ذكروه ، فادعوا فيه الأكل ليزيلوا عن أنفسهم المطالبة ، والفرس لا يعطي تمام هذا المعنى ، فلم يصلح على هذا أن يعبر عنه إلا بالأكل على أن لفظ الأكل شائع الاستعمال في الذئب وغيره من السباع.
وحكىٰ ابن السكيت في ألفاظ العرب قولهم : ـ
أكل الذئب الشاة فما ترك منها تامورا.
٢ ـ وأما قوله تعالى : ( وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ ) يوسف / ٦٥.
فإن معنى الكيل المقرون بذكر البعير والمكيل ، والمصادر توضع موضع الأسماء كقولهم : هذا درهم ضرب الأمير ، هذا ثوب نسيج اليمن ، أي مضروب الأمير ، ونسيج اليمن والمعنى في الآية : أنا نزداد من الميرة المكيلة إذا صحبنا أخونا حمل بعير ، فإنه كان لكل رأس منهم حمل واحد لا يزيد على ذلك لعزة الطعام ، فكان ذلك في السنين السبع المقحطة ،
________________
(١) الخطابي ، بيان إعجاز القرآن : ٣٨ ، وما بعدها بتصرف واختصار.