والهمداني ـ فيما عدا بلاد اليمن ـ لا يتجاوز علمه حد ما ينقله او يستنتجه ، ولهذا وقع في كلامه عن بلاد نجد ، وعن منازل القبائل في جهات الجزيرة أخطاء كثيرة ، لأنه اعتمد في ذلك ما ورد في الشعر ، فنسب الى بعض القبائل ما ورد من أسماء المواضع في شعر شعرائها ، بل قد يحاول أن يخطّىء غيره فيقع في الخطأ ، ومن أمثلة ذلك ، أنه أورد لعامر بن الطفيل يخاطب عمرو بن معدي كرب :
إلى أطم ظبي (١) يعتلكن شكائما |
|
مقانب يهديها اليك مقانب |
وقال : (الأطم الحصن الحصين المبنيّ ، وظبي موضع عمرو ، وهو بيبمبم ، وهو الذي ذكره امرؤ القيس : وحلّت سليمى بطن ظبي فعرعرا. والناس بروون طبي (٢) وذا غلط : ظبي وعرعر من أودية نجد وقد يسميه من يجهله طب.
صلته بعلماء العراق : قال القفطي (٣) : وارتفع له صيت عظيم ، صحب أهل زمانه من العلماء وراسلهم وكاتبهم فمن العلماء الذين كان يكاتبهم ويعاشرهم أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري ، وكان يختلف بين صنعاء وبغداد ، وهو أحد عيون العلماء باللغة وأشعار العرب وأيامها وكذلك أبو القاسم وكان يكاتب أبا عمر النحوي صاحب ثعلب ، وأبا عبد الله الحسين بن حالويه. وسار الى العراق واجتمع بالعلماء ، واجتمعوا به فيما قيل ـ ا ه. ويظهر أن مسيره الى العراق محلّ شكّ ، ولعله تعرف ببعض علمائه أثناء اقامته بمكة ، وفي كتب الهمداني ما يدل على جهله بمواضع طريق العراق ، ولو سلكه لما جهلها كقوله في «الجوهرتين» : (ومنها معدن محجة العراق ، بين العمق وأفيعية ، ولا أدري أهو معدن النقرة أم هو غيره ، أم معدن اسم ، فلا يكون فيه معدن ، ومنها معدن بني سليم) ا ه ومعدن المحجة هو معدن بني سليم ، وهو غير معدن النقرة إذ بينهما مراحل.
في صعدة : لما عاد الهمداني الى اليمن استقر في صعدة ، وهي إذ ذاك قاعدة أئمة الزيدية وكانت تتنازع اليمن في ذلك العهد تيارات سياسيّة : (٤) فالأئمة
__________________
(١) مهملة من الإعجام.
(٢) «شرح الدامغة» ص ١٨٣
(٣) ص ١٤١
(٤) ورقة ١٠٢.