يوما (١) ، وعندها أبدل بالقيود الثقال قيدا خفيفا ، ولم يزل الأمر على ذلك تسعة أشهر وأربعة أيام ونصف ، انهدم جانب حائط السجن ، فحوّل الى سجن القاضي وأصحاب الديون ، فصار كأنه في معزل ، وبعد ٢٤ يوما أطلق من القيد الخفيف ، وزادت الحال به فرجة ، فنقل من السجن العظيم الى ما هو في عداد المنزل ، فنقل من بلد الى بلد ، وطيف به مصفدا الى موضع غربة ، فلقي من ذلك الأمرّين ، وذلك من مدخله السجن صعب الأمر ، وتأربت عقدة السجن ، ووقع اليأس ، وتأكد الملوك في تعميره في السجن ، وعلى سبعة عشر شهرا وثمانية عشر يوما وجّهت أموره ، وذلك على ٢١ شهرا وستة أيام ، فنفذت فيه الشفاعة ، فلما كان يوم الأحد ٢٧ شعبان سنة ٣٢١ أذن باطلاقه فأطلق. ثم ردّ الى السجن ثانية ، فلم يمض فيه يوما ثم أطلق فخيرّ ، ثم اطلق من الموضع ، وبعث به مغرّبا مع حفظة اينما وصلوا من قرية سجنوه ، فأقام على ذلك ثمانية أيام ، ثم فلت من النهج الذي قصد به نفسه ، وذلك بعد ٦٤٩ يوما تكون شهورا تامّة ٢١ شهرا و ١٩ يوما. ويفهم مما تقدم أن الهمداني هرب من السجن ، مع أنه نصّ في «الاكليل» (٢) ان الناصر لما قام آل أبي فطيمة مطالبين باخراج الهمداني من السجن فتح له ، فرضوا ووادعوه حتى صحّ لهم أن إطلاق الهمداني كان من جهة ابن زياد صاحب زبيد ، فلعل ابن زياد هذا ساعد على هرب الهمداني من السجن.
وقد فصّل الهمداني في «الاكليل» (٣) أثر سجنه في زوال ملك الناصر ، وقتل أخيه الحسن في وقعة الباطن ، وأن قلب الناصر انفلق فأقام أياما يسيرة ثم توفي ، وأورد بعض أشعاره ، ويظهر أنه شارك في بعض الوقعات التي جرت بين الناصر وبين القبائل الهمدانية التي ثارت ضده (٤) ، حمّية للهمداني. ويظهر أن الهمداني منذ أن حلّ بصعدة عائدا من مكة حتى سنة ٣٢٢ لم يتمتع بالراحة ، فقد أمضى أول الوقت في خصامه مع الشعراء ، وما بين سنتي ٣١٩ و ٣٢١ في السجن ، وفي سنة ٣٢٢ في حروب مع القبائل الثائرة على الناصر ..
__________________
(١) ٩٧ / ٩٨ / ٩٩.
(٢) ١ / ٣٣١.
(٣) ١ / ٣٢٩ / ٣٤٣.
(٤) صوابه بين الناصر وبين قبائل من خولان قضاعة ومن همدان بقيادة الأمير حسان بن عثمان الحوالي.