الهمداني اللغوي : لما ترجمه القفطي في «أخبار الحكماء» قال : (وقد ذكرت قطعة من خبره وشعره في كتاب «النحاة» لأنه كان من أهل اللغة ، يدل على ذلك قصيدته الدامغة وشرحها يتضمن مجلدا كبيرا). والواقع أن الهمداني في هذا الكتاب وفي «صفة جزيرة العرب» وفيما وصل الينا من كتاب «الاكليل» يعنى عناية فائقة بالمباحث اللغوية ، فضلا عن استعماله كثيرا من غريب ألفاظها ، مما يدل على تبحره فيها ، ومن الألفاظ التي نقرأها في كتبه ما لا نجد له أصولا فيما بين أيدينا من كتب اللغة ، ولا نستطيع الجزم بصحته إذ كثير من نصوص الهمداني دخلها التحريف ولم تصل إلينا لها أصول صحيحة ثم إنه يستعمل كثيرا من ألفاظ أهل عصره ، وهو خبير بلهجاتهم ، كما يدل على ذلك الفصل الذي عقده في «صفة الجزيرة» عن لغات أهلها وعن نباتها ووصف بقاع الأرض ، ولو تصدّى باحث لغوي لدراسة كتب الهمداني من الجانب اللغوي لوجد فيها ذخيرة طيبة ، ولا تفوت الاشارة الى أنه من المتساهلين في استعمال كثير من الكلمات التي يتشدد بعض اللغويين في استعمالها. ودراسة كتب الهمداني ـ من هذه الناحية ـ تضيف الى مفردات اللغة العربية كلمات كثيرة لا نجدها في المعاجم اللغوية ، ويمكن الاستعانة على ضبطها والتحقق من صحتها بمؤلفات نشوان الحميري «شمس العلوم» وغيره.
مؤلفات الهمداني : قال القفطي (وكان مصنفا للكتب في كل فن) وقال (وله من التصانيف الشاذة الى البلاد ما يكثر ، ولا يكاد يعرفه أهل اليمن) وكان والد القفطي تولى القضاء في اليمن ، ولما توفي أحضرت كتبه لولده وفيها قسم مؤلفات الهمداني.
وروح الله أرواح علماء الأندلس ، فقد حفظوا لنا قسطا وافرا من تراثنا ، فبواسطتهم عرفنا الهمداني والهجري والفاكهي وغيرهم ، وقد دخلت كتب الهمداني الأندلس في حياته أو في زمن قريب من زمنه ، فأقدم ترجمة واسعة للهمداني وصلت الينا كتبها صاعد الأندلسي (٤٣٠ / ٤٦٢ ه في كتابه «طبقات الأمم» ونقل فيها عن خط أمير الأندلس الحكم المستنصر بالله ، وهذا ولي الخلافة سنة ٣٥٠ وكان ضليعا في معرفة الأنساب محبّا للعلماء ، يستحضرهم من البلدان النائية جماعا للكتب وتوفي