كما يفعل علماء أوروبا الباحثون عن الآثار القديمة ـ هذا ما قاله الأستاذ سليمان الندوي (١) رئيس دار المصنفين بأعظم كر ، وكأنه اعتمد في هذا على ما جاء في كتاب «الاكليل» للهمداني حيث رسم صور الحروف الأبجدية بالمسند مع ما يقابلها بالعربية ، وأورد نماذج كتابات قال إنها موجودة في مواضع ذكرها. ويبدي بعض الباحثين من المتأخرين الشك في معرفة الهمداني للكتابة الحميرية (٢) ، غير أن قراءة النصوص التي أوردها في «الاكليل» ولا يتسع المجال لذكرها ـ تدل على معرفته التامة. ويحسن الرجوع لما كتبه الدكتور جواد علي في كتاب «المفصل في تاريخ العرب» ـ ١ / ٩٠ ـ ٩٩ ـ.
وقال أغناطيوس كراتشكوفسكي : (ولم يكن جغرافيّا فحسب بل وخبيرا كبيرا بأنساب العرب ، وتاريخ الجزيرة العربية خاصّة آثارها القديمة (Archaeclogy) وهو أمر نادر بين العرب ، ومما يدعو الى الدهشة حقا أنه استطاع فك رموز الكتابة العربية القديمة في جنوب الجزيرة) (٣).
الهمداني الفيلسوف : يقول صاعد الأندلسي في كتاب «طبقات الأمم» عن العرب : (وأما علم الفلسفة فلم يمنحهم الله منه شيئا ، ولا هيّأ طباعهم للعناية به ، ولا أعلم أحدا من صميم العرب شهر به إلا أبا يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي وأبا محمد الحسن بن أحمد الهمداني). وكأن الأستاذ العقاد (٤) أخذ بهذا ، وبكلام صاعد أيضا عن كتاب «سرائر الحكمة» للهمداني إذ وصف الهمداني بأنه (محيط بمباحث الفلسفة عن أصل العالم وقواعد المنطق والكلام) ومهما يكن حظ الهمداني من هذا الجانب من العلم إلا أن رجلا عاش جمّالا ، ثم تلقى علم الحديث والفقه في مكة المكرمة ، ثم أكمل بقية حياته في قطر منعزل عن العالم يستكثر منه أن يبلغ في هذا الجانب ما بلغ ، ولا نستطيع الحكم على ما بلغه إذا لم نطلع على كتابه «سرائر الحكمة».
__________________
(١) مجلة «الضياء» ص ٧ جزء رجب ١٣٥١.
(٢) مجلة «الرسالة» ع ٨٦٨ ص ٢١٢ في ٣ / ٥ / ١٣٦٩ ه.
(٣) «تاريخ الأدب الجغرافي العربي» ص ١٧٠.
(٤) «أثر العرب في الحضارة الأوروبية» ص ٢٧.