الولاة» ، وقد تزامن هذا التحول الفعلي مع تغيّر الوضع القانوني تدقيقا.
سواء كانت إفريقية مجرّد مجال لخوض الجهاد ، أو متمتّعة بالوضع القانوني لولاية بواليها ومدينتها ـ المعسكر انطلاقا من ٥٥ ه ، فإنها كانت في كل الأحوال تابعة لولاية مصر.
لقد كان والي الفسطاط هو الذي يعيّن ويخلع ولاة القيروان ، وإليه يعود حقّ النظر في مسيرة جيش الفتح ، وكان هذا الأمر يتمّ بمساعداته المالية وجنوده (١). وكان هذا الخضوع يثقل كاهل إفريقية خاصّة وأن والي مصر عبد العزيز بن مروان المشدود بأهمية الغنيمة كان يفعل كل شيء من أجل الزيادة في الضرائب. ومن هنا حدث الصّراع بينه وبين حسّان مما أدى إلى خلع هذا الأخير. ولم يكن موسى سوى صنيعة عبد العزيز فكانت أفعاله الأولى مرآة لشدة طاعته (٢).
غير أن طبيعة الأمور ، فرضت أن تحلّق إفريقية بأجنحتها الخاصّة إذ توفي عبد العزيز بعد قليل (٨٦ ه / ٧٠٥ م) ، فلم يتردد موسى لحظة في توجيه البريد مباشرة إلى الخليفة في دمشق ، ومن فوق والي الفسطاط الجديد عبد الله بن الخليفة عبد الملك نفسه الذي احتج ولكن دون جدوى. هكذا أخذت إفريقية مكانها كولاية تابعة مباشرة للخلافة ، فتحصّلت في الجملة على الوضع القانوني لولاية مكتملة. أصبحت لها ـ بقوة القانون ـ رتبة موازية لبقيّة ولايات الإمبراطورية بما فيها مصر (٣).
ما هو أهمّ أن نواتها الأصلية (تونس ، منطقة طرابلس وبلاد الزاب) كانت تتسع بلا انقطاع على حساب المغربين الأوسط والأقصى.
وهكذا أصبح لدينا في حدود ١٢٣ ه «ولاية إفريقية الكبيرة» التي كان مركزها القيروان حيث تتّخذ القرارات ، غير أنها سريعا ، وانطلاقا من
__________________
(١) انظر دراستنا في : Studia Islamica ,XXVIII ,pp.٧٧ ـ ٧٠١ ، وخاصة ص ٧٨ ـ ٨١.
(٢) ابن عبد الحكم ، فتوح ، م. س ، ص ٢١٤ ؛ الكندي ، ولاة مصر ، م. س ، ص ٧٤ ؛ ابن عساكر ، تاريخ ، ج ٤ ، م. س ، ص ١٤٦ ـ ١٤٧.
(٣) الكندي ، ولاة ، ص ٨١ و ٨٢.