الاستفادة من التقاليد القديمة التي وقع الاعتماد عليها ودعمها من أجل جعل إفريقية وحدة جغرافية تأثرت بعمل الدولة الذي أشعّ فيها بعمق.
مجتمع إفريقية
الأسس الاقتصادية
نعرف أن اقتصاد إفريقية ، كان يعيش في آخر فترة السّيطرة البيزنطية حالة انهيار نسبي (١). ومن البديهي ألّا يكون الفتح العربي بامتداده في الزمن وقسوته ـ على الأقل في التّو ـ بأكثر فائدة ، خاصّة وأن سياسة الأرض المحروقة التي اعتمدتها الكاهنة ، مثلت على ما يبدو الضربة القاضية لغابة الأشجار المثمرة في بلاد مزاق. ولا نستغرب في مثل هذه الظروف أن نرى بعض المؤرخين (٢) يعمّمون من خلال الأحكام التي أوردها ابن خلدون (٣) ، ليعتبروا الفتح العربي مثل مرحلة أزمة حادّة ، جاءت لتعمّق الوضع الداخلي الواهن منذ زمن طويل. ولكن عديد الشهادات الأثرية توحي لنا بتواصل النشاط الاقتصادي في مناطق ستعرف
__________________
(١) Ch.Diehl ,Afrique Byzantine. غير أن الانهيار لا يمكن أن يمسّ سوى بلاد مزاق أين بدأ الأهالي يتحوّلون إلى رعاة. يستعمل Ch.Diehl ، في جدول دقيق ، لفظة" أزمة".
(٢) ذكر شارل ديل Ch.Diehl نفسه أن غابة الزيتون في بلاد مزاق بدأت تندثر من نهاية القرن السابع. أما جورج مارسي G.Marcais في : La Berberie musulmane et L\'Orient au Moyen Age, Paris, ٦٤٩١, p. ٦٧. فيعيد تاريخ الانهيار إلى زمن أبعد ، وهو النصف الثاني من القرن الثالث ميلادي ، وبذلك يكون العصر الذهبي هو عصر الأنطونين والسافريين Les Antonins et les Serveres ، ص ٧٧.
(٣) «هكذا تقدم لنا هذه المنطقة الخضراء التي تمتدّ من طرابلس إلى طنجة غابة شاسعة ، يعلو ظلها مجموعة من القرى المتلاحقة ، فلم يعد يظهر منها سوى الخراب». البربر ، ج ١ ، ص ٢١٢. غير أنه من البديهي أن الدمار الذي أحدثته الكاهنة والمحدود في الزمن لا يمكن أن يتجاوز بلاد مزاق ونوميديا الجنوبية. ولا يمكن أن يكون دمار هاتين المنطقتين بسبب اتساع هذا الدمار ، الذي وقع تضخيمه ممّا يحيلنا على النظرة الميثولوجية للماضي.