لا حقا تراجعا مؤكدا مثل الوسط الغربي لبلاد مزاق (١). في الحقيقة عرف اقتصاد إفريقية فترات قوّة وفترات أزمات ، أوقات انهيار ، وأوقات ازدهار ؛ ويندرج عهد الولاة بعد التخريب الذي سببته عمليات الفتوح في السير نحو استعادة الازدهار.
إذا كنّا نفتقد إلى معلومات دقيقة حول الفلاحة ، فيمكننا التأكيد على الأقل على أنها ظلت العمود الفقري للاقتصاد. فظلت منطقة السّهول الشمالية مخصّصة دائما لزراعة الحبوب وزراعة البقول المجتمعة مع تربية الماشية. وساهم سهل القيروان ، وبعض مناطق بلاد مزاق ونوميديا في نفس هذا النشاط الفلاحي أيضا. إلّا أن بلاد مزاق ظلت الميدان المحبّذ لغراسة الأشجار البقلية أو السّقوية خاصة. وفي هذا السياق يوضح لنا مقطع من ابن عبد الحكم (٢) حالة الثراء التي كانت عليها إفريقية في الزمن الملحمي لبداية الفتوحات.
ويشهد هذا المقطع أيضا ، بدون شك ، وخاصّة ـ بسبب تاريخ تدوينه ـ على أهمية إنتاج الزيتون والزيت في القرن الثاني الهجري / الثامن ميلادي. إلى جانب غابات الزيتون ، لا بدّ من الإشارة إلى وجود الأشجار المثمرة المتنوّعة في كامل بلاد مزاق بما في ذلك بلاد قمّودة. نشير في الأخير إلى اجتماع غابات النخيل مع زراعة البقول في واحات قسطيلية.
نجهل بطبيعة الحال تطوّر الطرق الزراعية. فإذا ثبت عدم وجود تقدّم يستحق الذكر ، فإنه لم يوجد في الجملة أيضا ، على الأرجح انهيار. لقد اقتصرت النصوص على التلميح والإشارة إلى أهمية السقي ، وتربية الماشية التي لا تقل أهمية ، والتي تتدرج تربيتها من الشمال إلى الجنوب وفي منطقة طرابلس.
__________________
(١) ح. ح. عبد الوهاب :» Les Steppes Tunisiennes pendant le Moyen Age «, Cahiers de Tunisie, II, ٤٥٩١, pp. ٥ ـ ٦١.
(٢) فتوح ، ص ١٨٥.